اقرأ… معجزة القرآن السياسية

24 أكتوبر 2021
اقرأ… معجزة القرآن السياسية

زهدي جانبيك

عندما تنتشر الأمية، ينتشر الجهل، فالقراءة هي عنوان التنوير… وارجو ان لا (يتورشحني) يسيء فهمي أحدهم ويعتقد أنني اقوم بالترويج لتيار تنويري سياسي عندما استخدم عبارة (عنوان التنوير)… اقرأ لتعرف ما اقصد من الكلام… اقرأ قبل أن تتورشحني…

اليوم تعلمت ان اكتب كلمة اقرأ بالسنسكريتي، اي باللغة السنسكريتية وهي تكتب هكذا: पठन.

وسبب تعلمي للكلمة، ان احد مخاولنا الكرام بدأ الصباح بالثناء على إحدى مجموعات التواصل الاجتماعي لأنها بدأت افتتاحية الاسبوع بمواضيع بعيدة عن (النقاشات السنسكريتية)… فعلقت على ما كتبه مازحا وقائلا: انت بهذا يا خال تفتح نقاشا سنسكريتيا لأنك تتهم المجموعة ان نقاشاتها سنسكريتية… اجابني فورا معتذرا بانه لم يقصد تلك المجموعة وإنما كان يقصد مجموعات أخرى نقاشاتها سنسكريتية… رددت عليه موضحا انها مجرد مداعبة صباحية… وسألته مازحا : شو يعني سنسكريتي… وانتهت المحادثة.

جلست بعدها افكر فيما جرى،…هو اعتبرها إساءة واعتذر عنها فورا، وانا خففت عنه بانها ليست انتقادا له وإنما مجرد دعابة…مع اننا لا انا ولا هو نعرف معنى سنسكريتي،…
وهذه هي احدى اكبر مشاكلنا… نحن لا نقرأ… أمة اقرأ لا تقرأ… ولذلك نعتمد التأويل في الحكم على اي شيء، وننتقده ، ونختلف عليه، ونتقاتل بسببه، ونحن لا نعرف معناه، ولا المقصود منه…

كان هناك حوار على إحدى مجموعات التواصل الاجتماعي حول امتحان التوجيهي… احد المشاركين من حملة درجة الدكتوراة كان له رأي بالموضوع اوضحه من خلال الإعلام المرئي… أعجبني ما قال، فكتبت على المجموعة مقالا يؤيد ما ذهب اليه الدكتور بطريقتي… علق فورا قائلا : هذا لا يمكن ابدا… استغربت تعليقه، وبعد فترة بسيطة عاد وكتب بأنه يعتذر لانه لم يكن قد قرأ ما كتبت قبل أن يعلق عليه… أليس عجيبا ان يرفض الدكتور وجهة نظر قبل أن يقرأها، مع انها مؤيدة لرأيه…

كنا نناقش مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وكانت هذه المخرجات تتعرض الى هجوم كاسح… لم يكن قد تم نشر الورقة التي تم تقديمها الى الملك، ووصلتني، فنشرتها على صفحة المجموعة، وسألت ان كان احد قد قرأها قبل أن ينتقدها… فاجابني احد الإعلاميين النشطاء بأنه… لم يقرأها… ولن يقرأها… وأنه يرفضها من غير أن يقرأها….
لا أدري ما اقول هنا سوى أن هذه هي طريقتنا في بناء الرأي العام…
طلبت ان نقرأ الورقة جميعا، ثم نحدد موعدا لمناقشها والخروج بتوصياتنا حولها على شكل ورقة مكتوبة… فتمت الموافقة على اقتراحي …. ولكننا نسينا الورقة… ونسينا الحوار حولها… ونسينا توصيتنا بشأنها. وغالب الظن اننا لم نقرأ الورقة (240 صفحة تقريبا).

نحن أمة اكرمها الله بأن اول كلمة نزلت من السماء الى الأرض أمرنا الله بها ان “نقرأ”… وكانت اول معاصينا لربنا : اننا لا نقرأ…

انا متقاعد ، وبصراحة فاضي أشغال،… فأملأ وقتي بالقراءة… اقرأ بنهم… تجدون عندي في البيت اكثر من كتاب مفتوحة وموزعة في اكثر من موقع… في مكان الصلاة… وفي مكان الجلوس… وأحيانا على طاولة الطعام…اقرؤها معا على مهل… فإذا جلست في احد الأماكن في البيت، يكون بجانبي كتاب اقرأ منه قليلا، ان تركني الفيسبوك والواتساب افعل…
لكن المشكلة تكمن في المتقاعدين الجدد…لأنهم أيضا فاضيين أشغال… وبدؤوا حياة الواتساب والفيسبوك وغيره حديثا…فيفتح هذا المستجد صفحته على الفيسبوك مثلا، فيجد فيها خبرا مثيرا… ف يعتقد انه خبر جديد يستحق إعادة النشر… وهو بحقيقة الأمر خبر مضى عليه سنين (لكنه ما كان فاضي يقرأ هالشغلات) ، وتم تفنيده، وأثبات كذبه قبل سنين… ولكن لانه جديد على صنعة المتقاعدين (فضاوة الشغل) يبدأ معركة جديدة حول الخبر معتقدا انه اكتشف الذرة من جديد…. وما يلبث ان يكتشف انه متأخر عن زملائه فاضيين الأشغال مثلي مثلا… فيبدأ بصراع إثبات الوجود على الساحة من خلال طلب إعادة فتح كل الملفات القديمة ومراجعة الاثباتات من اول وجديد….

يا أخي، قبل أن تكتب وتعترض…. اقرأ… ثم اقرأ… ثم اقرأ… امنح نفسك وقتا لتقرأ قبل أن تكتب… ولا بأس أن قلت لك : اقرأ وتعلم… مش عيب ابدا ان تتعلم…. ارجوكم ، لنقرأ ونبحث ونتعلم… ثم نكتب… لا تكونوا مثلي ومثل اخي اعلاه نقاشاتنا سنسكريتية…

وبالمناسبة ، السنسكريتية لغة هندية قديمة كانت مهددة بالانقراض… تستخدم اصلا في الكتابات الدينية الهندوسية، والبوذية والجانية… وهي لغة هندو أوروبية… يقول عنها أصحاب الديانات المذكورة انها لغة الآلهة… وتكاد ان تكون مقدسة عندهم… وحديثا تحاول الحكومة الهندية العنصرية الحاكمة إعادة احيائها… وهي إحدى اللغات الهندية الرسمية التي نص عليها الدستور الهندي…
تصور درجة عنصرية الهنود السيخ، عندما قررت إحدى الجامعات الهندية ان توظف بروفيسور مختص باللغة السنسكريتية لتعليمها للطلاب… احتج بعض الطلاب ونظموا اعتصامات أمام رئاسة الجامعة احتجاجا على تكليف هذا البروفيسور المسلم بتعليم اللغة السنسكريتية المقدسة… هذا حدث بشهر 11 عام 2020…. مع ان هذا البروفيسور المسلم تعلم هذه اللغة من والده المسلم الذي عشقها وعلمها لابنه فاختص بها اكاديميا….

يعني يا قرابة تبين أنني وإياك أخطأنا إذ كنا نعتقد ان كلمة سنسكريتي سيئة… وهي ليست كذلك بتاتا… كل ما نحتاجه، هو: ان نقرأ لنتعلم… ارجوكم لنقرأ قبل أن نتكلم أو نكتب… فلعلنا ان قرأنا، تمكنا من الدخول في حوار سنسكريتيٍ متحضر…. حول مخرجات اللجنة، وقانون الانتخاب ، وقانون الأحزاب ، والتعديلات الدستورية ،… وغيرها الكثير…

وان كنت لا تحب القراءة… فاصمت ولا تدخل بنقاش حول ما سمعته… إذ كفى المرء اثما ان يحدث بكل ما سمع… اقرأ ثم تحدث واكتب وحاور.