الأمير الحسن يكتب: حرمة المصلين وحماية دور العبادة

22 أكتوبر 2021
الأمير الحسن يكتب: حرمة المصلين وحماية دور العبادة

وطنا اليوم:كتب صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال، مقالة في صحيفة الأهرام المصرية بعنوان، “حرمة المصلين وحماية دور العبادة”.

وتاليا نص المقال:

أمام استمرار الاعتداءات على أماكن العبادة وسفك دماء المصلين، وأمام ما نَراهُ من اعتداءات متكررة على أرواح المصلين الآمنين، أقول إن هذه الاعتداءات هى جريمةٌ كُبرى لا يقبلُها إنسان، فالمساجد والكنائس ودور العبادة هى بيوت الله، ومُصّلى للمؤمنين بهِ.
أرسى القرآن الكريم قبل أكثر من أربعة عشر قرنا قواعد أخلاقية وايمانية تحول دون استهداف أماكن العبادة وذلك فى كريم قوله تعالى: «وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ» (الحج 40)

فمن فضل الله على الناس أنه جعل بعضهم يدفع بعضا بعيدا عن العدوان على أماكن العبادة، وقد قدم الله تعالى فى الآية السابقة أماكن العبادة لغير المسلمين على المساجد، وذلك حتى يجعلهم يحرصون على سلامة أماكن العبادة لغيرهم كما يحرصون على حماية مساجدهم، وليكون المسلمون قدوة لغيرهم فى الحفاظ على أماكن العبادة بأجمعها.
يؤكد القرآن الكريم أن منع حرية العبادة وتخريب المساجد هو من أقبح أشكال الظلم والعدوان «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِى خَرَابِهَا» (البقرة:114) فتدمير أماكن العبادة يمثل وجها آخر للإبادة الجماعية، وكما أن قتل إنسان بريء واحد هو كقتل البشرية جميعا فإن تدمير مسجد أو مكان عبادة واحد هو بمثابة تدمير لحرمة أماكن العبادة لأتباع الأديان جميعهم.
يتعارض استهداف دور العبادة مع القواعد الاخلاقية والشرعية فى الاسلام، فالشريعة الإسلامية تقوم على مبدأ العدالة في التعامل مع الناس جميعا. والتمييز بين الأهداف العسكرية والأماكن الدينية والمدنية الذي كان مبدأ إسلاميا أصيلا سبق اتفاقية لاهاي عام 1907 والتي نصّت على اتخاذ كافة التدابير اللازمة لتفادي الهجوم، قدر المستطاع، على المبانى المخصصة للعبادة والفنون والعلوم والأعمال الخيرية، والآثار التاريخية والمستشفيات والمواقع التي يتم فيها جمع المرضى والجرحى.
ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، على حق الإنسان فى حرية العبادة وإقامة الشعائر بقوله: لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين.
ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.
إن استهداف الغلاة أو الطغاة لأماكن العبادة لا يقل خطرا عن استهدافهم للأماكن الأثرية والتراث الحضاري المعماري وسعيهم لطمس الذاكرة الحضارية والإنسانية.
وهنا نستحضر ما قام به الغلاة بتدمير مقام النبي يونس في الموصل عام 2014، واستهداف قلعة الكرك عام 2016.
ونذكر أيضا تحطيم الآثار الآشورية والكلدانية وتحفها النادرة الموجودة في متحف الموصل، وفي مدينة نمرود التي تعد إحدى أهم عواصم الإمبراطورية الآشورية القديمة، وكذلك ما حدث من تدمير لآثار مدينة الحضر الأثرية التي تقع غرب مدينة الموصل ويعود تاريخها إلى القرن الثانى قبل الميلاد.

وفي هذه الأيام التي نعيش فيها ذكرى ميلاد المصطفى عليه الصلاة والسلام الذي أرسله الله رحمة للعالمين نستذكر النهج النبوى الذى يقتدى به في قبول الاختلاف واحترام الآخر وأقول: لقد آن الأوان لأن نرفض خطاب الكراهية والاستقطاب الذي يثير الأحقاد ويبرر سفك الدماء.
وهنا أشير إلى إجماع أكثر من 200 عالم من كبار علماء المسلمين فى مؤتمر رسالة عمان عام 2005 و تأكيدهم جميعا على حرمة تكفير المسلمين من مختلف مدارسهم الإسلامية وتحريم المساس بدمهم وعرضهم ومالهم. ولكن هذا الإجماع لا يزال بعيدا عن عقول وقلوب الغلاة المتعصبين الذين يمتهنون خطاب الكراهية والطائفية، وهنا أعود إلى كلام الشوكاني -رحمه الله- حيث يقول: هاهنا تُسكَب العَبَرات، ويُناحُ على الإسلام وأهله بما جَناه التعصب فى الدين على غالب المسلمين من الترامي بالكُفر لا لسُنّةٍ، ولا لِقرآن، ولا لبَيانٍ من الله، ولا لِبُرهان، بل لمّا غَلت مراجِلُ العَصبيةِ فى الدّين، وتَمكنَ الشيطانُ الرجيم من تفريق كَلمة المسلمين (كتاب السَيل الجرّار).
وفي الختام أقول: إن كل اعتداء على المصلين الآمنين فى مساجدهم وأماكن عبادتهم انما هو اعتداء على القيم الجوهرية للدين. وعندما يعلن بعض الغلاة المنتسبين للإسلام مسئوليتهم عن قتل المصلين في مساجدهم فإنما يقدمون للغزاة المحتلين تسويغا لإسقاط حرمة أماكن العبادة والاعتداء عليها فى المسجد الاقصى وفى الخليل وفي كل مكان.