الهوية الإسلامية الجامعة… و الهوية الأردنية الوطنية الجامعة

21 أكتوبر 2021
الهوية الإسلامية الجامعة… و الهوية الأردنية الوطنية الجامعة

زهدي جانبيك

في زمن ما كنت في زيارة في جورجيا، وهي دولة غير مسلمة، بل من قلاع المسيحية الأرثوذكسية، دخلتها المسيحية في القرن الرابع الميلادي، ثم ما لبث الإسلام ان دخلها في السنة 25 للهجرة أو القرن السابع الميلادي… وبسبب موقعها المميز تناوبت الأمم السيطرة عليها … ومن ازمان السيطرة الإسلامية عليها لم يبق في عاصمتها تبليسي سوى مسجد واحد هو وارث المسجد الأزرق “مسجد سوميت” في تبليسي ويسمونه اليوم مسجد الجمعة.

الهوية الإسلامية الجامعة
يتميز هذا المسجد في تبليسي عن غيره من مساجد العالم انه يجمع المسلمين السنة والشيعة في رحابه، حيث نصفه الأيمن للشيعة ولهم محرابهم، ونصفه الأيسر للسنة ولهم محرابهم… وفي المنتصف يقع المنبر لخطبة صلاة الجمعة وهي صلاة موحدة لهم جميعا وله باب واحد يدخله الجميع، وبعد أن يصبح داخله، يختار الذهاب إلى اليمين أو الى اليسار.

في مساجد الشيعة التي زرتها في العالم كنت دائما أجد ادعية معلقة بجانب المحراب أو في المحراب، بعضها يقشعر بدنك عند قراءته لما فيه من سب ولعن وشتم على ابو بكر وعمر رضي الله عنهما، وأمهاتنا عائشة وحفصة رضي الله عنهن…. وبعضها (اي بعض مساجد الشيعة في العالم) كنت أجد فيها دعاء فك الكرب وما فيه من توسل الى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وتوسل الى علي رضي الله عنه، ان يعجلا فرج المهدي المنتظر… ذاك السب وهذا التوسل غير مقبول عند أهل السنة، وبعض ما يكتبه اهل السنة غير مقبول عند الشيعة ايضا…. ومع ذلك اجتمع الطرفان في هذا المسجد في ظلال الهوية الإسلامية الجامعة…وامتنع كل منهما عما يؤذي الاخر… فاعتمد الشيعة مثلا دعاء الفرج الذي ينسبونه الى زين العابدين، حيث لا سب ولا شتم ولا توسل… والتزم السنة بالابتعاد عن ما يؤذي الشيعة في خطبة الجمعة… فأصبح المسجد مظلة للهوية الإسلامية الجامعة، دون أن يتخلى اي منهما عن عقيدته أو أركان عقيدته… لأن تركيزهما كان على نقاط الاتفاق وليس الاختلاف وعلى هويتهما الإسلامية التي تجمعهما … وكانت القلوب خالية من الرمانة…

بالتأكيد هذا المسجد لن يعجب السلطات في ماليزيا التي أصدرت فتوى رسمية ان الشيعة منحرفة عن الإسلام وغير مقبولة، ولن يعجب السعودية أيضا، وكذلك الأمر فإن هذا المسجد في تبليسي لن يعجب الآيات والملالي في قم والنجف… ولكنه حاز على إعجاب المسلمين في تبليسي وعلى إعجاب السياح والمسيحيين أيضا… لأنه اعترف بهوية إسلامية جامعة للمسلمين في تبليسي… ولبى لهم حاجاتهم التعبدية على قدم المساواة دون تمييز بين مسلم سني وأخيه الشيعي فيما يتعلق بالخدمات التي يقدمها ويوفرها المسجد لكليهما على قدم المساواة.

مرة أخرى اكتب في هذا الموضوع الذي أصبح العوبة يتسلى به كل عابر سبيل، فتارة يحوله الى افلام كرتون وتارة أخرى يحوله آخرون الى سيلان دم في الشوارع وتارة ثالثة يستحضر أحدهم شياطينه حتى يساعدوه في قراءة النوايا والخفايا ويحاكم الناس عليها ، وفي كل الأحيان هو تعبير عن الخوف غير المبرر على ذوبان الأردن وانصهاره، اقول غير مبرر لسبب وحيد وهو إيماني الأكيد ان الأردن لا يذوب، ولا ينصهر، ولا يتحور ، ولا يتحول… الأردن هو الأردن.
والأردن له هويته الجامعة وهي جنسيته التي تمنحها الدولة الأردنية لمن تنطبق عليه شروط الجنسية المنصوص عليها في قانون الجنسية الاردني الصادر بموجب الدستور الاردني الذي وضعه واقره وعدله مجلس الامة الاردني، وهو (اي مجلس الامة) في هذا ينوب عن الشعب الأردني في تنفيذ ارادة الشعب…. رضي من رضي وغضب من غضب.

الجنسية الأردنية هي الهوية الأردنية الوطنية الجامعة ، يحملها (الجنسية) جميع الأردنيون سواء كانوا من الحجاز أو من اليمن أو من غزة هاشم أو من القفقاس أو من الشام أو من لبنان أو من العراق أو من أي جزء من الجزيرة العربية، أو من أي جزء في العالم…
وحال حملهم لهذه الجنسية فهم امام الدستور سواسية كاسنان المشط حقوقهم واحدة وواجباتهم واحدة…
وهذه الجنسية الأردنية الجامعة هي الهوية الوطنية الاردنية الجامعة… وهي ليست ملحا ليذوب ، ولا سكرا سريع الذوبان لاخاف عليها من الذوبان أو الأنصهار… هي هويتي الأردنية