اقتلاع ظاهرة شراء الاصوات

12 نوفمبر 2020
اقتلاع ظاهرة شراء الاصوات

بقلم: حسين الرواشدة

ثلاثة اطراف تتحمل مسؤولية «المتاجرة» بأصوات الناس وذممهم: الطرف الاول المرشحون الذين استقالوا من قيمهم واخلاقهم، ونزلوا «بالبرشوت» على حياتنا العامة، وتلوثت «ايديهم» بالفساد، واعتقد ان «المقعد» النيابي هو طريقهم الى المال والشهرة والحصانة، وهؤلاء –للأسف- افرزتهم سنوات حين تراخت الدولة عن القيام بواجباتها .

اما الطرف الثاني فهو المجتمع الذي نشأت فيه طبقة اجتماعية ذات قابلية للفساد والاستبداد، هذه «الطبقة» وجدت نفسها امام واقع جديد «فتكيفت» معه، واصبحت تنظر الى كل شيء من «ثقب» مصالحها الفردية، ليس بالضرورة ان تكون محسوبة على خط الفقر، فالفقراء الحقيقيون لا يمدون ايديهم للمال الحرام ولا يبيعون «ذممهم» مهما كان الثمن، ولكنها محسوبة على «الفقر الاخلاقي» الذي يجرد الانسان من آدميته وفطرته السليمة ويحوله الى «نفر» انتهازي وأناني.

الطرف الثالث هو المناخات السياسية والفكرية التي افرزت منظومة جديدة من «القيم» والتقاليد، حيث تقدمت –مثلا- قيمة «الشطارة» على «الكفاءة» وقيمة «الكسب» والنهب على قيم العمل والاخلاص وبذلك تصدّر «الشطار» والفهلويون المشهد، واخذوا حظوتهم في المجتمع، وتراجعت منظومة «الاخلاقيات» العامة سواء على صعيد النخب او الافراد او الدولة لدرجة ان «النظافة» السياسية اصبحت عملة نادرة، والمساءلة عن «المال» اللامشروع او «النفوذ» المشبوه غير واردة.

هذه الظاهرة ليست مرتبطة بمواسم الانتخابات فقط، فالانتخابات تكشفها ولا تنشئها، ولكنها جزءٌ من «الثقافة» المغشوشة التي اصابت مجتمعنا، وجزء من «السياسة» العمياء التي قطعت علاقة الناس بقيمهم، وعلاقة المجتمع بالدولة، وتركت «المواطنين» مجرد ايتام امام «موائد» مسمومة اقامتها مجموعة من «النخب» التي وضعت يدها على المجتمع، وحاولت ان تشكله على حسب اهوائها، وتعاملت معه بمنطق «الرق» الذي لا يرى الانسان الا من زاوية «تسخيره» لخدمته والتزامه بأوامره.

صحيح ان الهيئة المستقلة للانتخاب بادرت الى احالة بعض المتورطين الى الادعاء العام ، و صحيح ان القانون يتيح إحالة «البائع» والمشتري الى المحكمة لمحاسبتهما على جريمة المتاجرة، لكن هذا لا يكفي. اذا لا بد من وضع تشريعات رادعة لمنع هذه الظاهرة. وملاحقة اصحابها حتى لو اصبحوا نوابا تحت القبة ، هذا بالطبع اذا ا توافقنا جميعا على خطورة «الظاهرة» على المجتمع، اذ ان حالة «الشراء» تغلغلت داخل وعي الكثيرين واصبحت جزءا من «الممارسة» المقبولة اجتماعيا (لا تسأل هنا عن الاسباب فهي كثيرة»؛ ما يصعّب مواجهتها بسلطان القانون او حتى سلطان «الفتوى» والارشاد وحدهما؛ الامر الذي يقتضي البحث في توفر ارادة سياسية تبدأ ب«اصلاح المجتمع» من بوابة استعادة «قيمِه» المهاجرة اولا، وبسط قيم الدولة عليه ثانيا، وتحرير الناس فيه من سطوة الفساد والاستبداد تمهيدا لتهيئة «التربة» الاجتماعية النظيفة والتعهد برعايتها من خلال قلع ما يخرج منها من اشواك او احساك.

مواسم المطاردات في مولات «شراء الاصوات» كشفت لنا صورة «المرشحين» الذين استخدموا المال الاسود لانتزاع مقعد في البرلمان. او الاخرين الذين. فشلوا في ذلك ، لكنها قبل ذلك كشفت لنا صورة مجتمعنا الذي تحول الى «سوق» لعرض الاصوات والذمم وبيعها في مزادات شبه علنية، وهذا بالتأكيد لا نستطيع ان نحاكمه او نودعه في «السجون » ولكن يمكننا ان نصلحه «بالسياسة» النظيفة والعدالة والحرية لكي يتحرر من نفوذ الفاسدين وسطوة «الشطار» وغلاسة المفجوعين بالمناصب.