خواطر في عيد المعلم

5 أكتوبر 2021
خواطر في عيد المعلم

الدكتور ذوقان عبيدات

قلت مرارا ، يتدرب لاعب كرة القدم أكثر مما يلعب! ويتدرب العسكري أكثر مما يقاتل! فكم يتدرب المعلم؟ تواجه قضايا تنمية المعلمين تحديات عديدة في الوقت والحاجة إلى النمو المهني، ونوعية هذا النمو، ومن يخطط لهذا النمو، وأين يتم؟ وكلها تحديات لم يجد المعلمون لها حلا.
ولذلك سأتحدث بصراحة ووضوح عن كل هذه التحديات:
1 – عيد المعلم:
أوصت منظمة اليونيسكو منذ العام 1996، أن يكون الخامس من (أكتوبر) هو يوم المعلم العالمي. وقد تبنى الأردن هذا اليوم، وصار عيدا للمعلم الأردني، وكان في أصل التوصية أن لا يكون هذا اليوم مجرد احتفال. ولكنه يوم تأمّل أحوال المعلمين، ودراسة أوضاعهم، والتحدث عما بُذل من جهود لتحسين هذه الأوضاع، وبهذا المجال، فقد وضحت منذ خمس سنوات قائمة بحقوق المعلمين، أبرز منها:
– حقهم في العمل في بيئة مناسبة من حيث البناء المدرسي، وحجم الصف.
– حقهم في تطوير عملهم كمهنة توفر لهم عيشا كريما، ومكانة مجتمعية لائقة، توفر لهم المشاركة في أنشطة ثقافية واجتماعية.
– حقهم في المشاركة في أي قرارات تتعلق بأوضاعهم وأعمالهم وطلابهم، وفيما يدرسون. وكيف يقيمون طلابهم، وكيف يدرسون.
– حقهم في أن يكون لهم تنظيم يعمل لدعم حقوقهم وتحسين أوضاعهم.
– وأخيرا حقهم في حصولهم على النمو المهني المطلوب لتمكينهم من أداء مهامهم باتقان.
هناك قائمة طويلة بحقوق المعلم، ولكنني أبرزت أو لخصتها في المجالات السابقة.
لا ينكر أحد أن نضال المعلمين قد حقق بعض هذه الحقوق، وأن المعلمين حصلوا على امتيازات مالية، وسكنية، ومجتمعية، وجامعية، ولكن المعلمين يستحقون دائما ما هو أكثر وأفضل وأوسع، فلا مجال ولا داعي لإقناعكم باستحقاقات المعلم، وفي مقدمتها تنمية المعلم.
2 – تنمية المعلمين:
قلت هناك تحديات عديدة في تنمية المعلمين مثل نوعية البرامج، ووقت التدريب ومكانه ومدته وأدواته.
فمن حيث نوعية البرامج، ما هو معروف عن برامج تنمية المعلمين أنها برامج يخطط لها غير المعلمين، وتفرض عليهم دون أن يكون لهم حق اختيار البرنامج الملائم لحاجاتهم! صحيح أن للنظام التربوي حاجات يجب التدرب عليها، لكن تبقى حاجات المعلمين هي الأساس.
يشكو المعلمون عادة من برامج مكررة لا صلة لها بالصف ولا تساعد المعلم على تحسين أدائه، طبعا الحلول هنا معروفة، وهي إشراك المعلمين في تخطيط برامج نموهم، وإتاحة الفرصة لهم باختيار ما يناسبهم، من حيث وقت التدريب، فالمعلمون لا يمتلكون غير وقت التدريس وإعداد أعمالهم، وتقويم الطلبة، فهم مشغولون دائما، ومنشغلون عن التدريب، وإن اختيار أي تدريب خلال هذه الأعمال سيحدث فوضى مدرسية، خاصة إذا كان التدريب لعدد من المعلمين أو لجميع معلمي المدرسة.
فالمشكلة إذا في اختيار وقت التدريب، مع ملاحظة أن إجازة نهاية الأسبوع هي حق للمعلم وراحة له.
ويأتي تحدّ ثالث، التحدي الخاص بمكان التدريب، فاللاعبون يتدربون في ملاعبهم، والعسكر في معسكراتهم، بينما لا تتاح الفرصة للمعلمين التدرب في صفوفهم ومدارسهم. من هنا يمكن أن نتوقع أن أثر التدريب قد لا يكون واضحا.
وهناك تحد آخر هو كلفة التدريب، فإذا أراد المعلمون الحصول على تدريب يختارونه في القطاع الخاص، فإنهم يحتاجون لدفع كلف ليست بمقدورهم، كما أن الوزارة قد لا تعترف بشهادات يحصل عليها المعلمون من القطاع الخاص.
وعلى ضوء التحديات السابقة، فإن النمو المهني المطلوب للمعلمين هو: برامج تبنى على حاجاتهم، وتتم في مدارسهم، وتناسب أوقاتهم، ومع مدربين ناجحين، وأن يكون المعلم حرا في اختيار ما يناسبه من تدريب، وأن تدفع له كلفة التدريب.

3 – مجتمعات المعلمين:
لعل أبرز الأدوات والاستراتيجيات في النمو المهني للمعلمين هي مجتمعات التعلم، والمقصود بمجتمع التعلم، أن تبني جماعات من المعلمين من 5 – 10 من تخصص واحد أو عدة تخصصات، من مدرسة واحدة أو عدة مدارس، وقد تضم خبراء وأهالي أو طلبة. تعمل هذه المجتمعات في مجالات أعمال المعلمين، يتبادل المعلمون خبراتهم، ويتعلمون منها، ويمكن لهذه المجتمعات أن تناقش قضايا مهمة مثل:
– تخطيط الدروس.
– تطوير التدريس.
– إنتاج معارف ومهارات.
– تحليل دروس.
– إجراء تجارب.
– إعداد دروس تطبيقية.
– البحث عن حلول لمشكلات معينة.
– أي أعمال أخرى، مثل القوانين والعلاقات مع المجتمع والإدارة والإشراف… الخ.
يعمل هذا المجتمع المتعلم أسبوعيا، يجتمع أعضاؤه خارج أوقات الدوام، يتناقشون فيها ما يواجهون من تحديات، وقد تكون مجتمعات التعلم خاصة بمعلمي مادة، أو معلمي مدرسة، إن مجتمعات التعلم هي أحدث أنظمة النمو المهني للمعلمين، وأنظمة التعلم للطلبة، ففي هذه المجتمعات يتم إنتاج معارف جديدة ومهارات وتبادل بين أعضاء المجتمع وفي ذلك حلول لمشكلات عديدة في تدريب المعلمين.

4 – ماذا يريد المعلمون:
يريد المعلمون وزارة تقدرهم، وتحفظ حقوقهم، ولا تميز بينهم وفق معايير الوساطة، يريدون:
– عدالة الاختيار والتوزيع والنقل والترفيع…الخ.
– عدالة اختيار القيادات من إدارات مدرسية وإشراف ورؤساء أقسام.
– عدالة التعامل وتوزيع المزايا والمكافآت .
– الانتقال من رتبة إلى أخرى وفق الجهد والكفاءة.
وهذه مسلمات وحاجات إنسانية، مطلوبة، فالمعلمون يواجهون كثيرا من المشكلات في هذه المجالات، خاصة وأنهم يشعرون بالإحباط نتيجة عوامل عديدة أخرى.
ويريدون أيضا، كما ذكرت صفوفا غير مزدحمة، وبيئة تربوية وإنسانية للعمل، ولكن ما هو أكثر من هذا حاجتهم إلى:
منطق تربوي سليم في المناهج التي يدرسونها وبطرق التدريس الملائمة، لا يريدون كتبا منمطة تحدد خطواتهم وتعيق إبداعاتهم.
فالمعلمون يحتاجون إلى كتاب بمواصفات معينة، وأدلة تدريس بمواصفات معينة، فما هذه المواصفات؟
إن المعلم يكيف تدريسه وفق متطلبات الموقف، وقديما كنا نسير على خطوات هربارت في التدريس وهي خطوات آلية تبدأ بالمقدمة والعرض والربط والتقييم، وبذلك تنمط المعلمون وصار الجميع يدرس وفق هذه الخطوات مهما كان نوع الدرس ومادة الدرس، فالمعلمون صاروا آلات تدريسية، ويحاول بعض المحدثين الآن اختراع خطوات نمطية جديدة، فسادت في العالم خطوات مثل الاندماج، الاستكشاف، التفسير، التوسع، التقويم، وهذه خطوات يعتقد أصحابها أنها تقود إلى التفكير، وقيام الطلبة بالعمل بأنفسهم، ثم يقوم المعلم بالشرح وغيره، وقد تكون هذه الخطوات مفيدة في إرشاد المعلم وإثارة اهتمام الطلبة، لكن ما ينتج عنها من تنميط للمعلم وتنميط للدرس قد يؤثر سلبا.
ولذلك فمن غير الممكن أن تجري الدروس على وتيرة واحدة، فالمطلوب إعطاء المعلمين حرية ابتكار أساليب عرض الدرس من دون التزام بالتعليم الخماسي الدائرة: ادمج– استكشف- فسر- توسع- قيم.
ففي درس ما قد يبدأ المعلم بالتفسير ثم الاستكشاف ثم الدمج، وفي درس آخر قد يتبع خطوات أخرى مختلفة.
ولذلك على المعلمين أن يبتكروا خطواتهم مستفيدين من التعلم الخماسي وغيره. فمثلا في قبعات التفكير الست يسير الدرس وفق: معلومات، مشاعر، نقد سلبي، نقد إيجابي– إبداع- تطبيق ولكن صاحب النظرية نفسها يعلن ليس من الضروري الالتزام بهذه الخطوات فقد يبدأ الدرس بالمشاعر والنقد الإيجابي، أو قد يبدأ بالإبداع، كما أنه ليس من الضروري تطبيق القبعات الست جميعها.
قد يكون تنميط الدرس مفيدا للمعلم الضعيف أو المتوسط ولكنه لن يكون مفيدا للمعلم المبدع.. إذن يحتاج المعلمون إلى أن نفتح أمامهم مجال الإبداع وليس التنميط.

5 – ماذا نقدم للمعلمين:
ما يمكن أن نقدمه للمعلمين في عيدهم؟ بالتأكيد نهنئهم بالعيد، وعلينا أن نحتفل في مؤسساتنا وشوارعنا ومدارسنا وإعلامنا، فلا يجوز أن يمر يوم المعلم دون أن يشعر كل معلم بالفرح،
وكما قلت سابقا نحن مسؤولون عن إقناع المجتمع بحقوق المعلمين، وتوفير هذه الحقوق باعتبارها حقوقا طبيعية غير مشروعة وغير مربوطة بواجبات، ولكن لو أردنا أن نقول هل يقوم المعلمون بما هو مأمول منهم؟
يؤمل من كل معلم ومعلمة أن يعلن انتماءه واعتزازه بمهنة التعليم، وأن يعمل على حمايتها وتطويرها وتعزيز مكانتها، وهذا يتطلب معلما مخلصا، محبا لطلبته ومهنته، نموذجا إيجابيا في الشكل والمضمون، والشكل لا يقل أهمية عن الموضوع.
وعودة إلى وزارة التربية والتعليم فالمطلوب منها أن تحرك شكل مهنة التعليم وأن تضع درجات ورتبا أشبه بالرتب المهنية أو العسكرية، بحيث يرتقي المعلم باستمرار من رتبة إلى أخرى، وسبق أن اقترحت:
معلم، معلم أول، معلم خبير، معلم قائد، معلم استشاري وأن نجعله في سعي دائم للترقي عبر هذه الرتب.
ولا يعقل أن يبقى المعلم طيلة حياته يحمل رتبة معلم، فمن حقه أن يكون خبيرا، استشاريا… الخ.
ويبقى التعليم بحاجة إلى وزارة وإدارات عادلة تشعر كل معلميها بتكافؤ الفرص في كل شؤونهم: العمل ومكان العمل والترقية… الخ.
وفي الختام، أكرر تهنئة المعلمين بعيدهم وأدعو إلى دمجهم في مجتمعاتهم، فمن حق المعلمين أن يكونوا أعضاء في جميع اللجان المجتمعية، بحيث يكون مندوبا عن المعلمين في المجلس القروي أو البلدي ومجلس المحافظة ولجان الصحة والعمل والتطوير… فالمعلمون هم الأكثر قدرة على المساهمة في تطوير المجتمع، وأكرر، حق كل معلم في النمو المهني المستمر.
ملاحظة: علما بأن نظام الرتب القائم حاليا لا يعطي إلا مزايا مالية للمعلمين، ولا يعطيهم أي مكانة فنية أو وظيفية، فهناك خبراء يعملون بإمرة من هم أقل منهم رتبة بالتعليم، فهناك معلم خبير؛ ومشرفه غير خبير… إلخ.