يسعدهم أن نبقى غارقين في الفشل

23 سبتمبر 2021
يسعدهم أن نبقى غارقين في الفشل

حسين الرواشدة

أعتذر، سلفا، لكل الذين يجلسون في “الغرف” المغلفة المنتشرة في بلدنا، ولا يرون حولهم إلا “السواد”، سواء جلسوا فيها بإرادتهم او رغما عنهم.
لا ألومهم، لكنني ارجوهم أن يخرجوا، ولو ساعة من نهار، إلى فضاءات مجتمعنا، ليروا جزءا من الصورة الأخرى، لعلها تعيد اليهم ما فقدوه من أمل وهمة وإحساس بقيمة الحياة، وقيمة الإنجاز، والأهم أن تعيد الينا، جميعا، الوجه الآخر لمجتمعنا الذي ينهض حين تتعبه قصص الفشل المتراكمة، ليسجل أهدافا من النجاح تستحق الاحتفاء والتقدير.
أفهم، بالطبع، أن البعض سيمد “لسانه” ساخرا من أي حديث عن الإنجاز والنجاح، لأننا غرقنا في “مناهل” لم تفرز منا سوى التذمر والشكوى والتشكيك، وفيضانات “الفشل”.
لا بأس، صدقوني أن مجتمعنا رغم كل الخيبات التي تسبب فيها بعضهم، مسؤولون وغير مسؤولين، لإجهاض حيويته، ما يزال بخير، وسيكون أفضل لو قرر الأردنيون في لحظة صدق مع انفسهم أن يخلعوا نظاراتهم السوداء، ويخرجوا عن صمتهم، ويتوجهوا إلى أرضهم، ومدارسهم ووظائفهم، ليباشروا العمل والإنتاج، فالسواد لا ينتج إلا مزيدا من السواد، واليأس والإحساس بالظلم لا يكشف الغمة، ولا ينبت في “تربتنا” إلا فسائل وأحساك القهر والفساد.
تريدون ان تبطلوا “سحر” هؤلاء الذين أكثر ما يسعدهم أن يعمموا صورة الفشل على مجتمعنا، وأن يجردوه من كل إبداع، ويسرقوا منه أي نجاح؟
حسنا، لا شيء يرد عليهم كيدهم سوى “الإنجاز”، عندها سيضطرون، ولو بعد حين، للاعتراف بنجاحكم وفشلهم، بكفاءاتكم وقلة حيلتهم، بحقكم في الحرية والإبداع، والعدالة والديمقراطية، وبقصر نظرهم عن رؤية “النضج” الذي تتمتعون به.
أعضاء حزب “أعداء النجاح” والذين يترددون على صالوناته لاقتسام حصصهم من المناصب والخيرات العامة، هؤلاء الذين تلاحقونهم بالسخرية والشتائم، لا شيء يملأ عيونهم ويطمئنهم على الاستمرار في مواقعهم أو الحفاظ على امتيازاتهم، سوى بقاء المجتمع “غارقا” في يأسه وصمته وخوفه، ومتغطيا بالسواد الذي سكن فيه واستقر، وفي أي لحظة يخرج فيها المجتمع من هذه اللطميات والبكائيات ستنقلب موازين المعادلة، وعندها سوف يستعيد المجتمع عافيته، وبلدنا كله أيضا.
رجاء، دققوا في هذه الصورة التي وصلتنا خلال الأسبوع الماضي فقط، أحد الشباب الأردنيين (اسمه عمر) تم تعيينه مديرا للأمن القومي والاستخبارات في النمسا، معلمة أردنية من مدرسة في الطفيلة (اسمها انصاف النعانعة) فازت بجائزة المعلم العالمي من بين 26 ألف مرشح، طالب أردني (اسمه عبدالله أبو خلف : 17 عاما) حصل على لقب “بطل” تحدي القراءة العربي في دورته الخامسة، من بين نحو 21 مليون طالب من 52 دولة تقدموا للمسابقة، مهندسة أردنية في مجال علوم وتكنولوجيا الفضاء (اسمها نيفين عبدالرحيم) نالت الوسام العالمي لصانعات التغيير لهذا العام.
أربع قصص نجاح وإبداع ، ولدينا مثلها العشرات خلال الأعوام الماضية، سجلها “نجوم” أربعة من أبنائنا، حين قرروا أن يكسروا حاجز الإحباط، هؤلاء شرفونا حقا، ويستحقون أن نرد عليهم التحية بأفضل منها.
صحيح انهم وجدوا حاضنة لإبداعاتهم وتفوقهم خارج بلادنا، كما أن تكريمهم وتقدير إنجازهم لم يصدر من مؤسساتنا الوطنية وإنما من مؤسسات ودول أخرى، لكن الصحيح والمهم، أيضا، أن هؤلاء هم ابناؤنا “اردنيون”، ولمجتمعنا فضل عليهم بالتنشئة والتربية، كما أنهم اثبتوا ثقتهم بأنفسهم، وبمجتمعهم، وأعادوا الينا هذه الثقة المهدورة، وهم أفضل رد يمكن ان نقدمه لكل الذين يسعدهم ان نبقى في حالة “الحداد” والسواد، والفشل أيضا.