هل استفدنا من مرحلة التعليم عن بعد؟

21 سبتمبر 2021
هل استفدنا من مرحلة التعليم عن بعد؟

ذوقان عبيدات

كان لأزمة كورونا وانعكاساتها على التعليم آثار سلبية وأخرى إيجابية.
أما السلبية فمعروفة لدى الجميع، بل عانى منها الجميع، وربما ما زلنا نعاني منها حتى إزالة آثار “الفقد التعليمي” الذي قد يمتد لأكثر من عامين، هذا معروف تماماً وكُتِب فيه الكثير، بل وأسست جمعيات، وبُني رأي عام يطالب بعودة التعليم الوجاهي. وكأن البعد عنه كان خياراً. لذلك سأكتب اليوم عن الآثار الإيجابية للتعليم عن بعد، والمتمثلة في هزّ النظام التعليمي العالمي وعودته إلى تطوير ذاته. فما الذي كان يشكو منه التعليم الوجاهي قبل كورونا وبعدها؟ وما الذي يجب فعله لتطوير التعليم على ضوء الأزمة؟ وهل استفدنا من الأزمة؟ بل ولماذا لم يحدث أي تطور أو تطوير للتعليم على الرغم من عمق الهزة وعمق أزمة التعليم؟
(1)
هل من السهل تطور التعليم أو تطويره؟
يقصد بتطور التعليم قدرة النظام التعليمي الذاتية على الاستجابة التلقائية للأحداث وأن يغير أو يتغير على ضوئها، أما تطوير التعليم فإنه عملية مقصودة بجهد بشري إصلاحي، فهل حدث التطور أو التطوير؟
في الغالب وتاريخياً، لم يستجب التعليم لا لعوامل التطور ولا لعوامل التغيير، وبقي هذا النظام جامداً منذ ألفي سنة، معلم يتحدث وطالب يستمع وكتاب يشرح ويحفظ، وامتحان يقيس ما حُفظ، وخلافاً لكل أنظمة الحياة الأخرى التي تطورت أو طورت، وكنت أقول دائماً، إن مهنة مثل غسيل الملابس قد تطورت شكلاً ومضموناً واستخدمت عشرات الأدوات عبر تطورها، وكذلك مهنة الطب والهندسة، فما عاد طبيب يستخدم أدوات “زمان” ووصفات “زمان” ولا مناهج طب زمان، ولا دواء زمان، كل يوم لديهم جديد، في حين أن المعلمين فشلوا في استخدام الراديو والمسجل والتلفزيون والفيلم وحتى “الحوار” الذي دعا إليه سقراط وأتقنه قبل 2300 سنة، فالتعليم بقي كما هو، وحافظ على كل ما فيه، لن أخوض في الأسباب، لكن قيل في ذلك إنها تعود إلى أن مهنة التعليم مهنة محافظة ولا يدخلها سوى المحافظين من غير المتحمسين للتغير، سقت هذه المقدمة لأجد عذراً لجمود النظام التعليمي، المهم أن النظام التعليمي بقي كما هو: ما بعد كورونا هو ما قبلها، ولم يكن سهلاً عليه أن يتغير ولكن كان متوقعاً أن تحدث فيه تغيرات أساسية، فما هذه التغيرات؟
(2)
تغيرات كان يجب أن تحدث في التعليم:
يعاني النظام التعليمي الأردني من المشكلات، بل والأزمات الآتية:
– أولاً : أزمة نقص المعلمين الجيدين.
– ثانياً: أزمة اكتظاظ بعض المدارس ويقدر عددها بنصف المدارس فيها ثلثا عدد الطلبة.
– ثالثاً: علاقات الطلبة بالمدرسة.
طبعاً هناك مشكلات أخرى مثل طرق التدريس والمناهج ودور الطلبة ومكانة المدرسة وفي مقدمتها فقر التعلم.
ولنبدأ بالأزمات:
الأزمة الأولى: نقص المعلمين الجيدين.
والمعلم الجيد ليس هو المعلم المؤهل. فكثير من المؤهلين لا يمتلكون الرغبة والحماسة والتعلم المستمر. فالمعلم الجيد هو معلم متواصل، يعلم طلبته لا مادته، يحفزهم على إنتاج المعرفة، يدفعهم لتشكيل مجتمعات متعلمة يتبادلون فيها منتجاتهم وأفكارهم، يتعلم من طلبته ربما أكثر مما يعلمهم.
كل مدرسة تعاني من نقص المعلمين الجيدين. حتى المدارس الراقية جداً. فالمعلم الجيد نادر تماماً، وهنا نسأل: إذا كان لدينا عدد محدود من المعلمين الجيدين، فما الأفضل؟ أن يعلم كل منهم صفاً واحداً أم يتعامل مع آلاف الصفوف؟ وهل يتيح له التعليم الوجاهي نفس الفرص التي يتيحها التعليم عن بعد؟
إذن، في العودة إلى التعلم الوجاهي “الكامل” حرمنا الطلبة من أفضل المعلمين، وهذه الخطيئة الأولى.
الأزمة الثانية: اكتظاظ بعض المدارس.
إن أكثر من ثلث الطلبة يتعلمون في مدارس مستأجرة ومثلهم يتعلمون في مدارس الفترتين. والتعليم الوجاهي عاجز عن إيجاد الحلول لها، فليس في قدرة الدولة بناء مدارس تستوعب الأعداد المتزايدة من الطلبة. لذلك نحن مجبرون أن نجد حلاً، وهل من حل غير الإفادة من التعليم والتعلم أون لاين؟
في التعليم “أون لاين” تختفي مشكلات الاكتظاظ، حتى لو انتقلنا إلى تعليم كامل قبل أن نتقن استراتيجيات التعليم “أون لاين”، بل علينا التدرج يوماً أو يومين أسبوعياً.
الأزمة الثالثة: العلاقات
وتشمل علاقات الطلبة مع مدارسهم، وعلاقتهم مع التعلم، وعلاقاتهم الداخلية أو البيئية. هناك دراسات ومؤشرات عديدة على أن المدرسة لم تنجح في أن تكون مطلوبة أو جاذبة. وأن المعلمين لم يتمكنوا من إيجاد سبل إيجابية للتعامل مع طلبتهم. فما زلنا نشكل مجالس لضبطهم، ونضع أنظمة لعقوباتهم وليس لإصلاحهم. ولا زال العقاب اللفظي والنفسي وربما الجسدي شائعاً في التعليم الوجاهي. ولا زال المعلمون غير قادرين على جعل الطلبة أكثر انضباطاً.
أما حب التعليم فما زل حلماً للمربين، وما زال السؤال: لماذا لم يجد المعلمون وسائل لجذب الطلبة، أو وسائل تسمح لهم بحب التعلم أو المدرسة؟ وما زال المعلمون يتحدثون عن واجبات ومتطلبات وعقوبات.
والعلاقات البيئية الطلابية ما زال يسودها التنمر، وما زالت العصابات الطلابية موجودة حتى في مدارسنا الراقية،
والخلاصة، إن الطلبة يذهبون إلزاماً وليس اختياراً.
(3)
مشكلات مصاحبة للتعليم الوجاهي
تختلف المشكلة عن الأزمة في أن الأزمة استمرت فترة طويلة وتحولت إلى مشكلة لم نجد لها حلاً وتعايشنا معها، ومشكلاتنا في التعليم هي كما ذكرت:
المشكلة الأولى: فقر التعلم.
فالتعلم الحالي لم يستطع تحقيق نتاجات راقية. فهناك شكاوى من عدم إتقان المهارات الأساسية، ومشكلات فقر التعلم ذات الصلة بالفهم والمعنى- طبعاً هذا لا يعني أن التعلم عن بعد يحل هذه المشكلة، إن ضعف التعلم مرتبط بكل الأزمات السابقة مثل: الأبنية المدرسية ونقص المعلمين الجيدين، ومرتبط أيضاً بمشكلات ضعف التدريس والمناهج وبيئة التعلم والإدارة وثقافة التعلم.
المشكلة الثانية: التدريس
والتدريس أيضاً مشكلة تعايشنا معها، وألفناها حتى لم نعد نرى عيوبها. فالتدريس تلقين لا تفكير فيه، والتدريس نقل واستهلاك لحقائق معروفة لا يضيف لها المعلم أو الطالب شيئاً ، والتدريس شرح وتفسير لما هو موجود، يقولب الطلبة ينمطهم ويفاضل بينهم بمقدار حفظ الطالب للمعلومات، وقد سمي هذا التدريس بالتدريس البنكي، يقوم العميل وهو المعلم – الممثل الشرعي والوحيد المعتمد- بإيداع المعلومات في بنك الطالب ليقوم بسحبها متى شاء من خلال الامتحانات وبذلك يبقى الطلبة ببنك خالٍ الا من استثمار أودعه المعلم في مشروعات لم تطلب منه، المهم، ان المعلم يقوم بسحب ما أودعه وقد يقوم الطالب برمي رأس المال في الشوارع، فالتدريس الوجاهي لم ينجح في غير ذلك. لأن التدريس البنكي هو أكثر الطرق سهولة.
المشكلة الثالثة: المناهج والكتب المدرسية.
إن مفهوم الكتاب المدرسي في التعلم الوجاهي أنه مصدر أساسي للتعلم، وربما كان مصدراً وحيداً. وما زالت معظم أنظمة التعليم العالمي تقدم كتاباً واحداً لكل الطلبة. وقد تتذاكى قليلاً في وضع نشاط إثرائي لكنه غير إثرائي.
هذا الكتاب محدد بمادة واحدة أو بمعلومات وحقائق عن مادة واحدة، يتذاكى مؤلفوها ويقولون نظام stem أو steam أو حتى stream، بما يربط المادة بمواد أخرى، مثل نصيحة كتاب العلوم حين يقول للطالب ارسم ورقة الشجر، على أساس أنه ربط بالفن، أو احسب عدد أوراق الشجر على أنه ربط بالرياضيات.. ما علينا، إن الكتاب يبقى مادة دراسية منعزلة جامدة قد لا تتغير على مدى عشرات السنين، كما حدث في كتاب الثقافة العامة للتوجيهي الذي استمر بكامل عيوبه من سنة 1992 حتى سنة 2017 وهو يقول للطلبة: العلم دمر الإنسانية وفكك الأسرة،
المشكلة الرابعة: مشاركة الطلبة
لم يستطع نظام التعليم الوجاهي: محلياً أو عالمياً، أن يجد حلاً لمشكلة سيطرة المعلم على الحصة، ونجاحه في – أفضل الأحوال – بإبقاء الطلبة هادئين مستمعين حتى يتسنى له إكمال حصته ليقول في نهاية الحصة: الآن أكملت لكم حصتكم، وعليكم ن تعيشوا بها وتعيدوها لي متى أطلبها.
فالطلبة هادئون جالسون بل ممنوعون من الحركة والسؤال. وقد ذكرت لكم سابقاً ما قالته معلمة أحياء لطلبتها: في حصتي أسمح لكن بسلوكين: حفظ المادة وتنفس الأكسجين، وأضافت والسلوك الثاني ليس مهماً.
(3)
ما الحل؟
إن تحديد مشكلات التعليم الوجاهي لا يقود مباشرة إلى أن التعليم عن بعد هو الحل، فقد جربنا التعليمين ولم ننجح، والمطلوب: قد يكون في تطوير التعليم الوجاهي “مع أننا فشلنا في ذلك خلل ألفي عام” فلماذا نتوقع نجاحاً اليوم؟
والمطلوب أيضاً: تطوير التعليم عن بعد. وهذا ما لم نمارسه بعد، ولكن اللحظات الحالية تسمح بفرص هائلة للتطوير فقد صار معروفاً:
– كيف ننتج كتاباً إلكترونياً؟
– وكيف نصنع فيلماً تعليمياً؟
– وكيف ننتج معرفة جديدة؟
ولعل المطلوب أيضاً: أن نحدد التغيرات التي أحدثتها كورونا في المناهج والعلاقات والتواصل، وأن نترجمها لتكون جزءاً من النظام التعليمي المستقبلي.
فالمستقبل هو تعليم وتعلّم رقمي في معظمه. والمدرسة ليست بناء كبيراً واسعاً، والمكان لا يحتل وظيفته الاستراتيجية السابقة. فكما قالوا: بإمكاننا أن نصلي في أي مكان، فإنني أقول بإمكاننا أن نتعلم في أي مكان.
(4)
وزارة التربية والتعليم
أعتقد أن الوزارة تدرك كل ما سبق، وأعتقد أن الوزارة تخشى من سطوة أنصار التعليم الوجاهي، وتخشى حتى الدمج بين الوجاهي والبعد.
ولكن شجاعة الوزارة ووزيرها قد تخطو هذه الخطوات:
1. السماح لمن يرغب من الطلبة بالتعلم دون دوام، وأن عليه أن يثبت تعلمه كما يثبته المداومون.
2. تخصيص يوم أو يومين للتعلم عن بعد.
3. تخصيص حصص ومواد يتم تعلمها عن بعد.
4. جعل المدرسة أكثر جذباً.
علينا أن ننتهز هذه الفرصة.
معالي الوزير،
كورونا سمحت لك بتطوير التوجيهي وهو أكبر العقد، علينا أن نتقدم.