غياب بيئة العمل المرنة يجبر ممرضات على الانسحاب من الوظيفة

20 سبتمبر 2021
غياب بيئة العمل المرنة يجبر ممرضات على الانسحاب من الوظيفة

وطنا اليوم:يدعو خبراء إلى ضرورة توفير بيئة عمل مرنة وتسهيلات لضمان استمرارية الممرضات المتمرسات بالمهنة بعد الانجاب، لافتين الى أن ظروف العمل في مهنة التمريض، والتي تعتبر في التصنيفات العالمية من المهن الشاقة، تدفع بالكثيرات للانسحاب من سوق العمل بعد الطفل الأول.
وتشكل الإناث نحو 70 بالمائة من خريجي كليات التمريض في المملكة، لكن قصر إجازة الامومة وساعات العمل الطويلة، إضافة الى عدم التزام العديد من المستشفيات بتوفير حضانات للاطفال العاملات، كلها تعد أسبابا رئيسة للانسحاب، ما يدفع بمختصين إلى المطالبة بضرورة توحيد إجازة الامومة بين القطاعين العام والخاص، وتفعيل تطبيق نظام العمل الجزئي في قطاع التمريض، بما يضمن استمرارية عمل الممرضات.
و“لعل أكثر المفارقات غرابة أن يتطلب عملك تشجيع الأمهات على الرضاعة الطبيعية وإرشادهن إلى هذا الأمر، في الوقت الذي تكونين غير قادرة على إعطاء هذا الحق لأطفالك”، هكذا تصف عفاف أحد تحديات العمل في مجال التمريض، في القطاع الخاص للإناث بعد إنجاب الطفل الأول، في ظل شبه غياب لمقومات بيئة العمل الصديقة للمرأة.
تروي عفاف، وهي أم لثلاثة أطفال، تجربتها في محاولة المواءمة بين العمل في قطاع التمريض ورعاية أطفالها، حيث تقول: “عند طفلي الاول والثاني كانت تجربة الرضاعة الطبيعية فاشلة، فبمجرد عودتي الى العمل بعد إجازة الأمومة التي تبلغ 70 يوما فقط، تصبح الرضاعة أمرا مستحيلا”.
وتضيف: “يعتمد دوام التمريض على نظام المناوبات النهارية، والمسائية، والليلية، وعلى التغيير المستمر في المناوبات، مقابل عدم وجود حضانة داخل المستشفى. وجعلت طبيعة عملي أثناء تلك الفترة كممرضة في قسم العناية الحثيثة، من الاستمرار بالرضاعة الطبيعية أمرا مستحيلا، فلا الطفل قريب مني حتى أقوم بإرضاعه، ولا طبيعة عملي في قسم العناية الحثيثة تسمح لي بالخروج لسحب الحليب حتى أقدمه لطفلي لاحقا”.
ومع ولادة الطفل الثالث تحسن الوضع؛ اذ كان المستشفى الذي تعمل فيه عفاف قد افتتح حضانة لأبناء العاملات في المستشفى، وهو ما ساعد عفاف في الاستمرار بالرضاعة الطبيعية حتى بلغ عمر ابنها العام الاول، كما انضمت عفاف في هذا الوقت الى قسم التوليد في المستشفى والتحقت بدورات تدريب الرضاعة الطبيعية.
ويعد المستشفى التي تعمل فيه عفاف من المستشفيات القليلة التابعة للقطاع الخاص التي توفر حضانة لأبناء العاملات لديها، خلافا للمستشفيات الحكومية والعسكرية التي تتوفر فيها جميعا حضانات تعمل على مدار 24 ساعة.
غير أن عفاف تستدرك: “حتى مع وجود الحضانة فالتحديات لم تنته، بل تقتصر ساعات عمل الحضانة على تغطية المناوبة الصباحية والمسائية، وتغلق أبوابها في تمام الساعة 11 ليلا، وبطبيعة الحال لا وجود لحضانات تجارية تستقبل الاطفال في هذا الوقت حتى الصباح، كما الحال في المناوبة المسائية”.
وتضيف: “أمام ذلك لا يبقى سوى خيار إبقاء الطفل مع اهل الام أو الاب، وهو خيار ليس متاحا دائما، خصوصا مع اختلاف محافظات السكن، وفي بعض الاوقات كانت تضطر زميلاتي الى ترك اطفالهن في محافظة أخرى لدى عائلاتهن بسبب عدم توفر الرعاية”.
وعلى غرار عفاف تشتكي كثير من الممرضات من تحديات العمل، خاصة بعد ولادة الطفل الأول أو مع وجود طفل حديث الولادة، وتبرز أكبر التحديات، وفق عفاف وزميلاتها، بغياب تطبيق نظام العمل الجزئي بعد الولادة.
وتتابع عفاف: “تعتمد المستشفيات على نظام المناوبات وعددها ثلاث، ومدة العمل في كل واحدة 8 ساعات، أو لمناوبتين لمدة 12 ساعة، وتتبدل أيام المناوبات وفق جداول محددة مع وجود طفل حديث الولادة، وعليه فإن التغيير المستمر وطول ساعات العمل يكون مرهقا جدا للممرضات”.
وكان نظام المناوبة، وتغيير ساعات العمل وطولها، هو ما دفع أيضا بالممرضة تهاني، إلى الانسحاب من العمل في المستشفيات. وفي هذا الصدد تقول تهاني: “تتراوح أجور الممرضات الجامعيات في بداية عملهن بين 400 الى 500 دينار، مع الإرهاق بسبب طبيعة العمل وغياب وجود حضانات تجارية تناسب ساعات عملها مع عملي، ما اضطرني إلى الانسحاب من سوق العمل بعد أن وصلت الى درجة الإنهاك”.
وحاولت تهاني التمسك بوظيفتها، لكنها فشلت أمام الضغوطات الكبيرة، حيث تقول: “بعد أن اشتد عود اطفالي عدت إلى العمل، لكن في مجال التمريض المنزلي، أقوم بزيارات منزلية لساعات محددة للمرضى ضمن ساعات في النهار. من الناحية المادية فإن التمريض المنزلي خيار أفضل، لكنه يبقى خارج التأمينات الصحية والضمان الاجتماعي”.
وبحسب نقيب الممرضين في الأردن، فإنه “في وقت تلتزم فيه مستشفيات القطاع العام بتوفير حضانات لابناء العاملات، فإن قلة قليلة من المستشفيات الخاصة لديها حضانات، أضف الى ذلك قصر إجازة الامومة في القطاع الخاص مقارنة بالقطاع العام، والتي تقل بنحو 20 يوما”.
وتلتقي هذه الشهادات من ممرضات مع دعوات خبراء إلى ضرورة توفير بيئة عمل مرنة وتسهيلات لضمان استمرارية الممرضات المتمرسات بالمهنة بعد الانجاب، لافتين الى أن ظروف العمل في مهنة التمريض، والتي تعتبر في التصنيفات العالمية من المهن الشاقة، تدفع بالكثيرات للانسحاب من سوق العمل بعد الطفل الأول.
وتشكل الإناث نحو 70 بالمائة من خريجي كليات التمريض في المملكة، لكن قصر إجازة الامومة وساعات العمل الطويلة، إضافة الى عدم التزام العديد من المستشفيات بتوفير حضانات للاطفال العاملات، كلها تعد أسبابا رئيسة للانسحاب، ما يدفع بمختصين إلى المطالبة بضرورة توحيد إجازة الامومة بين القطاعين العام والخاص، وتفعيل تطبيق نظام العمل الجزئي في قطاع التمريض، بما يضمن استمرارية عمل الممرضات.
ويرى خبراء أن اتخاذ خطوات من هذا النوع لا يشكل فقط آلية لضمان استمرارية الممرضات المتمرسات وصاحبات الخبرة في العمل، بل يوفر ايضا الحماية والأمان لاطفالهن، وهي مسؤولية تشترك فيها الدولة، بموجب الدستور، بحماية الأمومة والأطفال.
من جانبه يبين نقيب الممرضين خالد ربابعة أن “التحديات التي تواجه الممرضات العاملات في القطاع الخاص تبقى أصعب من تلك التي تواجه العاملات في القطاع العام ففي حين تصل اجازة الامومة الى 90 يوما في القطاع العام، إضافة إلى توفير جميع المستشفيات الحكومية حضانات لأطفال العاملات، فإن الإجازة في القطاع الخاص تبلغ 70 يوما فقط، كما ان الغالبية العظمى من المستشفيات الخاصة لا توفر حضانات لأبناء العاملات”.
ويشير ربابعة إلى أن تدني الرواتب في قطاع التمريض، مع عدم وجود حضانات، يضاعف من الأعباء على الممرضات، ففي ظل رواتب متدنية فإن الانسحاب مؤقتا من العمل لمدة عام او عامين يكون خيارا أجدى اقتصاديا للممرضات.
كما يشير إلى فكرة “العمل الجزئي” بعد إجازة الامومة، موضحا انها فكرة مطبقة في عديد من دول العالم، وهو اقتراح تم عرضه في اكثر من مرة، لكن للاسف هو خيار مرفوض من أصحاب العمل.
ويشدد على ضرورة اعتبار كافة أقسام التمريض بوصفها مهنا خطرة، لافتا الى أنه حاليا، وبموجب القانون “يتم اعتبار 3 اقسام في مهنة التمريض خطرة، لكننا نسعى الى توسعة ذلك بسبب الصعوبات والمخاطر التي تحملها المهنة بشكل عام”.
ويلفت ربابعة الى أن “70 % من منتسبي النقابة هم من الاناث”، لافتا الى ان “نسبة كبيرة منهن، وتحديدا صاحبات الخبرة، ينسحبن من العمل في الاردن الى دول أخرى نظرا لظروف العمل والميزات الأفضل التي يمكن الحصول عليها في الخارج”.
من جانبها، تقول العين السابق الدكتورة سوسن المجالي إن التمريض في الاردن يعاني كثيرا، خصوصا الأمهات من الممرضات؛ لان معظم المستشفيات لا تطبق نظام العمل الجزئي، وبعضها الاخر لا يوفر حضانة لأبناء العاملات.
وتلفت المجالي التي عملت سنوات طويلة في مجال التمريض، إلى ان مدة مناوبة الممرضة تكون إما 8 او 12 ساعة، حسب نظام المستشفى.
وتوضح: “عندما تبدأ الممرضات بإنجاب الأطفال وتبدأ اجازة الامومة، يعانين من مشكلات عدة أولها المواءمة بين مسؤوليتها تجاه الطفل ومسؤوليات العمل الكلي، خصوصا إذا كان العمل لمناوبات طويلة”.
وتضيف: “لذلك كنا نطالب لفترات بتطبيق العمل الجزئي في المستشفيات حتى نتمكن من الحفاظ على الممرضات الكفؤات صاحبات الخبرة، واللواتي يستقلن من عملهن لأن العمل يتطلب دواما كاملا”.
وتقترح المجالي في هذا الصدد تطبيق نظام العمل الجزئي للممرضات ممن أنجبن حديثا، بحيث يكون عملها في أوقات الذروة التي يحتاجها بها المستشفى، ثم تتمكن من تخصيص وقت أطول لرعاية ابنها حتى تتمكن من أخذ قسط من الراحة.
وتقول إن المسؤوليات الملقاة على عاتق الأمهات الجديدات، من متابعة للطفل وعدم القدرة على النوم بشكل جيد، ومتطلبات العمل، تؤدي كلها إلى الإرهاق، وهذا يؤدي بدوره إلى أن يكون تفاعل الأم مع الطفل ضعيفا، ويمكن ان يحدث حالات من الغضب لديهن.
لذلك تعتبر المجالي أن فكرة العودة المتدرجة للعاملات، خصوصا في المجال الصحي بعد إجازة الأمومة وتطبيق العمل الجزئي من قبل المؤسسات، وتوفير الرعاية للطفل في المؤسسة من خلال الحضانات، جميعها تسهم في تخفيف الضغوطات على العاملات في هذا المجال، وأيضا الحفاظ على الكفاءات وعدم انسحابهن من العمل بعد الإنجاب.
من ناحيتها، توضح مديرة مجموعة القانون لحقوق الإنسان “ميزان” المحامية ايفا أبو حلاوة: “في وقت حققنا ردما للفجوة في مجال التعليم بين الإناث والذكور، لكننا ما نزال من أدنى الدول في نسب مشاركة النساء في سوق العمل، وذلك لأن ظروف عمل المراة تجعلها تنسحب من العمل، ومن بين تلك الظروف ما يرتبط بالأمومة”.
وتعتبر أن “ظروف العمل لا تتيح للمرأة ممارسة أمومتها وفي الوقت نفسه الاهتمام بعملها، اذ إن هناك العديد من الجوانب التي لا تتم مراعاتها من قبل أرباب العمل، ولا حتى في التشريعات”.
وتلفت أبو حلاوة الى اشكالية “عدم المساواة في اجازة الامومة بين القطاعين العام والخاص، اذ تبلغ 70 يوما في القطاع الخاص، مقابل 90 يوما في القطاع العام، ورغم المطالبات المتكررة بتوحيد الاجازة لتكون 90 يوما لكن ذلك لم يتم لغاية الان”.
وتضيف: “حتى بعد العودة فهناك حاجة لتكون العودة متدرجة وتراعي الأعباء على الأم الجديدة”، مبينة أن “هؤلاء الاطفال هم أطفال المجتمع، والدولة مسؤولة عن ضمان وتعزيز حقوقهم، وعلينا التضامن من أجل هذه الغاية”.
وتتفق الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة الدكتورة سلمى النمس مع أبو حلاوة في الرأي، بضرورة توحيد مدة إجازة الأمومة، وتطبيق نظام العودة المتدرجة، والعمل الجزئي بعد إجازة الأمومة.
وتقول: “هناك ايضا حاجة للتوعية المجتمعية بأهمية توفير منظومة داعمة، بحيث يتحمل الآباء كذلك مسؤولية في رعاية الاطفال، خصوصا مع حجم الإرهاق الكبير الذي تعاني منه الأم بعد انتهاء إجازة الأمومة من حيث التوفيق بين رعاية الوليد والقيام بمهام عملها”.
وتقترح النمس في هذا الصدد تخصيص جزء إضافي من اجازة الرعاية الوالدية للأب، بحيث يستطيع بعد انتهاء اجازة الامومة أخذ شهر اضافي كإجازة لرعاية الطفل.
من جانبه، يؤكد رئيس جمعية المستشفيات الخاصة الدكتور فوزي الحموري أنه “فيما يخص الحضانات، فإن المستشفيات توفر حضانة إذا كان عدد الموظفات الأمهات يستدعي إنشاء حضانة، وغالبية المستشفيات توجد فيها حضانات قريبة منها.
وحول إشكالية المناوبات الليلية، يبين أنه “في أغلب الأوقات، يتم توزيع العمل على الممرضات العاملات في المستشفيات الخاصة، اللواتي لديهن أطفال، على المناوبات الصباحية، الأمر الذي يؤدي إلى إرباك سير العمل في المناوبات المسائية والليلية لعدم توفر ممرضات ذوات خبرة”.
عموما، لا تزال الثقافة السائدة لدى المجتمع الأردني تفرض عدم وجوب عمل الإناث وبخاصة الممرضات في المناوبات المسائية والليلية، خصوصاً الممرضات المتزوجات اللواتي يسكن خارج المحافظة، علما ان طبيعة عمل مهنة التمريض تتطلب العمل في الليل والنهار ضمن نظام المناوبات.
كما ان نسبة كبيرة من الممرضات ذوات الخبرة ممن لديهن أطفال يفضلن عدم العمل والتفرغ لتريبة أطفالهن، وهذا من العوامل التي تسهم في نقص توفر الكوادر التمريضية من الإناث، الى جانب هجرة الكوادر التمريضية نتيجة زيادة الطلب الخارجي على الممرضات الاردنيات، والتي تعد احد اسباب النقص في الكوادر التمريضية في المستشفيات الخاصة.
من جانبه، يوضح الناطق باسم وزارة العمل محمد الزيود أنه “بموجب المادة 72 من قانون العمل فإن دور الوزارة رقابي للتأكد من مدى التزام صاحب العمل الذي يستخدم عددا من العمال في مكان واحد ولديهم من الأطفال ما لا يقل عن خمسة عشر طفلا لا تزيد أعمارهم على خمس سنوات، بتهيئة مكان مناسب، ويكون في عهدة مربية مؤهلة أو أكثر لرعايتهم، كما ويجوز لأصحاب العمل الاشتراك في تهيئة هذا المكان في منطقة جغرافية واحدة”.
ويضيف: “بموجب المادة ذاتها أيضا للوزير تحديد البدائل المناسبة إذا تبين عدم قدرة صاحب العمل على تهيئة المكان المناسب في المنشأة أو محيطها ضمن تعليمات تصدر لهذه الغاية، وهذه التعليمات صدرت في الجريدة الرسمية تحت اسم تعليمات بدائل الحضانات المؤسسية لسنة 2021”.
وفي ما ما يخص العمل الجزئي يشير الزيود الى أن “تطبيق ذلك يكون بموجب اتفاق عمل بموافقة الطرفين وليس هناك ما يلزم بتطبيقه في حال عدم وجود اتفاق مسبق”.
وأما الجزئية المتعلقة بالمساواة في إجازة الامومة بين القطاعين العام والخاص، فيوضح أن ذلك “بحاجة الى تعديل تشريعي، وهذه المادة ليست من ضمن المواد القانونية المطروحة حاليا على مجلس النواب ضمن تعديلات قانون العمل”.