الإملاءات الأمنية السريّة التي فرضها غانتس على عباس أثناء اجتماعهما المغلق؟

1 سبتمبر 2021
الإملاءات الأمنية السريّة التي فرضها غانتس على عباس أثناء اجتماعهما المغلق؟

وطنا اليوم – تَنكَمِش مكانة “الرئيس” الفِلسطيني محمود عبّاس يومًا بعد يوم، ولقائه مع بيني غانتس وزير الحرب الإسرائيلي في رام الله يوم أمس الأحد الذي تركّز على الجوانِب الأمنيّة، يُؤكِّد هذا الانكِماش، ولا نَستَبعِد أن يكون لقائه القادم مع أحد ضُبّاط جِهاز الامن الإسرائيلي، وربّما مُجَنَّدة حديثة العهد في الجيش الإسرائيلي.

الجديد في هذا الاجتِماع الذي جاء بعد انقِطاع استمرّ أكثر من عشر سنوات، كانت حافلةً بقَراراتٍ بإلغاء أوسلو، ووقف التّنسيق الأمني، وسحب الاعتِراف، يتمحور حول الثّمن الأمني الذي يُريده غانتس وأجهزته الاستِخباريّة من السّلطة ورئيسها مُقابل الاستِجابة لطلبها في الحُصول على قَرضٍ إسرائيليّ بقيمة 800 مِليون دولار لإنقاذها من الإفلاس، ومُواصلة دفع رواتب مُوظَّفيها.

فعندما تَنْصَبّ المُفاوضات على القضايا الأمنيّة والاقتصاديّة، ويكون السيّد حسين الشيخ وزير الشّؤون الأمنيّة، واللواء ماجد فرج رئيس المُخابرات الفِلسطينيّة، على يمين “الرئيس” عبّاس وشِماله في هذا الاجتِماع، فإنّ هذا يعني أنّ غانتس كان يَحمِل مجموعةً من الإملاءات على السّلطة ورئيسها، أبرزها تشديد الحِصار على قِطاع غزّة، ورفع مَنسوب القمع ضدّ الشّباب الفِلسطيني المُقاوم للاحتِلال في الضفّة الغربيّة، وتوسيع دائِرة الاغتِيالات للنّشطاء من أمثال نزار بنات.

لقاء الإملاءات هذا المُهين والمُذِل استَغرق ساعتين ونِصف السّاعة، من بينها اجتِماع انفِرادي مُغلَق بين الرّجلين لمُدَّة 40 دقيقة، و لا نعتقد أنّ الأربعين دقيقة هذه اقتَصرت على الحديث عن الطّقس، أو وباء كورونا، والأحوال العائليّة، ولا بُدَّ أنّ هناك قضايا خطيرة جدًّا تصدّرت جدول أعماله، لا يَجِب أن يطّلع على فحواها أقرب المُقرَّبين من السيّد عبّاس، وهُما حسين الشيخ وماجد فرج، ممّا يُؤكِّد أنّ رئيس السّلطة باتَ مُوَظَّفًا صغيرًا جدًّا لدى سُلطة الاحتِلال، وأنّ “المشروع الوطني” الذي كان دائمًا يتباهى بالالتِزام بتحقيقه هو كيفيّة تعزيز سُلطة الاحتِلال، وحِماية مشاريعها الاستيطانيّة، ومُباركة اقتِحاماتها لمدينة القدس والمسجد الأقصى، وربّما المُوافقة على تقسيمه على غِرار الحرم الابراهيمي في الخليل، وتكليف قوّات أمن السّلطة التي يزيد تِعدادها عن 60 ألفًا باقتِحام قِطاع غزّة بحِماية الطّائرات والدبّابات الفِلسطينيّة، تحت أيّ مُسَمَّيات جديدة.

لا نَعرِف ما هو موقف الفصائل الفِلسطينيّة في الضفّة والقِطاع ولبنان التي وقّعت البيان الأوّل، وباركت اجتِماعات “الوحدة الوطنيّة” في رام الله وبيروت برئاسة “الرئيس” عبّاس، وعلى رأسها “حماس” و”الجِهاد الإسلامي” برئاسة الرئيس عبّاس، واعتبرتا هذه الاجتِماعات إنجازًا كبيرًا للعمل الفِلسطيني المُقاوم، هل تَكفِي الادانات الإنشائيّة لهذا الحدث الجلل؟ وما إذا كانت ستستمرّ بعض هذه الفصائل، في البَقاء في اللّجنة التنفيذيّة لمُنظّمة التّحرير حِرصًا على مُخصَّصاتها المُلَطَّخة بالتّواطؤ والعمالة من الصّندوق القومي الفِلسطيني؟

أيّ حديث عن “المُصالحة” بعد هذا اللّقاء هو تأييدٌ لهذا النّهج، ومُباركةٌ له، وتشجيعًا على استِمراره، ومن المُؤسِف والمُؤلِم، أنّنا لا نتَوقّع من مُعظم فصائل مُنظّمة التّحرير غير الإذعان والبَحث مع السّلطة ورئيسها عن الأعذار حِفاظًا على مُكتَسباتٍ ماليّة.

الشّعب الفِلسطيني الذي تدّعي مُنظّمة التّحرير ورئيسها أنّها المُمَثِّل الوحيد له، والنّاطق باسمه، لم تُكَلِّف “الرئيس” عبّاس بإجراء هذ اللّقاء، ولم تُعطِه الصّلاحيّة لاقتِراض 800 مِليون دولار من دولة الاحتِلال، يذهب مُعظمها لجُيوب الفاسدين، وتَراكُم الدّيون على الشّعب الفِلسطيني وأجياله القادمة.

صمت مُعظَم أبناء هذا الشّعب وفصائله، وحركات المُقاومة على هذا الهوان هو الذي يُشَجِّع أركان السّلطة ورئيسها على تجاوز كُلّ الخُطوط الحُمر، والتَّغوُّل في التّنسيق الأمني، وفي وَقتٍ تعيش فيه دولة الاحتِلال أصعب أوقاتها بعد انتِصار غزّة الكبير، وانتِفاضة الضفّة، وأهلنا في المناطق المُحتلّة عام 1948 ضدّ الاحتِلال، وبعد الهزيمة الكُبرى لأمريكا في أفغانستان هذا الصّمت جريمة أكبر من كُل مُخرجات اللّقاء المَذكور وانعِكاساته الكارثيّة على القضيّة الفِلسطينيّة.

هذه الخطوة، التي جاءت بضُوءٍ أخضر أمريكي، ومُحاولة لإجهاض انتِصار معركة “سيف القدس” التي أرسلت ستّة ملايين إسرائيلي إلى الملاجئ، وأغلقت المطارات، وعزلت “إسرائيل” عن العالم لحواليّ 11 يومًا، وحمَت المسجد الأقصى ومُرابطيه وحافظت على عُروبته وإسلامه.

فإذا كان جيش الاحتِلال الذي يزيد تِعداده عن 250 ألفًا، ومُجَهَّزًا بأحدث الطّائرات الأمريكيّة الصُّنع، والقُبَب الحديديّة وأُسطول عرمرم من المُسيرّات، انهَزَم أمام حركات المُقاومة وصواريخها ولم يستطع التَّقَدُّم مِتْرًا واحِدًا في قِطاع غزّة أثناء الحرب الأخيرة، فهل ستنجح قوّات “دايتون” الفِلسطينيّة في ما فَشِل فيه هذا الجيش في حال ضمّها إليه رَسميًّا، وتَحَوُّلها إلى أحد وحَداته؟

معركة “سيف القدس 2” القادمة والوشيكة قد تكون ضدّ السّلطة ودولة الاحتِلال معًا، ولم يَعُد هُناك أيّ فرق بين الاثنين على أيّ حال، وما علينا إلا الانتِظار.