حديث في المحظور / حل الدولة الواحدة ام حل الدولتين او الدولة الكنفدرالية / الحلقة الخامسة 

21 أغسطس 2021
حديث في المحظور / حل الدولة الواحدة ام حل الدولتين او الدولة الكنفدرالية / الحلقة الخامسة 

  مروان العمد

وبعد استعراضي لهذه الاحداث كلها ، سوف ابين علاقة ما قلته في مقالاتي الاربعة السابقة بحل الدولة الواحدة وحل الدولتين وحل الدولة الكنفدرالية . علما بأن كل ما سوف اقوله يمثل رأيي وتحليلي الشخصي للاحداث التي حصلت بعد فوز الادارة الامريكية الديمقراطية بالانتخابات الجديدة واعلانها عن دعمها لحل الدولتين .

         وحسب متابعتي لهذه الاحداث من الجانب الصهيوني ، فأنني اعتقد ان حل الدولة الواحدة لا يزال حلماً يراود الكثيرين في هذا الكيان بالرغم من تغيير الادارة فيه والتي اصبحت مكونة من ائتلاف هش بين احزاب يمينية ووسطية ويسارية وبدعم من حزب عربي اسلامي ، حيث ان بعض اقطاب هذه الادارة هم ممن يقفون ضد حل الدولتين . وعلى رأسهم رئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت ، والذي يعتبر اول رئيس وزراء متدين في تاريخ اسرائيل والذي اعلن اكثر من مرة انه يعارض حل الدولتين والانسحاب من الضفة الغربية . ويسانده في ذلك حزب امل جديد اليميني وحزب إسرائيل بيتنا . الا ان زعيم الحزب الحاصل على اغلبية اعضاء الكنيست المناصرين لهذا الائتلاف يائير لبيد والذي يتزعم حزب هناك مستقبل الوسطي ، والذي يشغل حالياً منصب وزير الخارجية ، ومن المفترض ان يتولى رئاسة الحكومة في نصف ولايتها الثاني حسب الاتفاق الذي تم بين الاحزاب المشاركة في الائتلاف اذا استمر لذلك الوقت ، يؤيد حل الدولتين بهدف الانفصال عن الفلسطينين للمحافظة على نقاء الدولة اليهودية ، كما انه يؤيد الانسحاب من الضفة الغربية مع الاحتفاظ ببعض المواقع فيها خاضعة للدولة الصهيونية . بالاضافة الى وجود احزاب وسطية اخرى في هذا الائتلاف وهي ازرق ابيض ، وحزب العمل ومعهم حزب ميريتس اليساري هم ايضاً على استعداد لتقديم تنازلات بدرجات مختلفة لصالح هذا الحل ، وخاصة ان استطلاعات الرأي الحديثة في هذا الكيان اخذت تظهر تأيداً متصاعداً له .

       اما بالنسبة للجانب الاردني فقد اكد استمرار رفضه المطلق لحل الدولة الواحدة عندما قال جلالة الملك في مقابلته مع الصحفي فريد زكريا على ال CNN رداً على تصريح للمدعو دوري جولد ( وهو مستشار مقرب من رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق بنيامين نتنياهو ) بان على الاردن ان يبدأ بالتفكير بنفسه على انه الدولة الفلسطينية كونه يضم اغلبية فلسطينية وباستطاعته استيعاب المزيد منها بقوله ( حسناً مرة اخرى هذا النوع من الخطاب ليس بجديد ، ولهؤلاء الاشخاص اجندات خاصة يريدون تنفيذها على حساب الآخرين . الاردن هو الاردن . لدينا مجتمع مختلط من خلفيات عرقية ودينية مختلفة ، ولكن هذا بلدنا . الفلسطينيون لا يريدون ان يكونوا في الاردن . انهم يريدون ارضهم ورايتهم ليرفعوها فوق بيوتهم ومنتخبهم الوطني لكرة القدم ) .

             اما الجانب الفلسطيني فأن فكرة الدولة الواحدة مرفوضة من غير نقاش لديه ، سواء من السلطة في الضفة الغربية ، او من حماس في قطاع غزة . وهو بكل اطيافه مصر على حل الدولتين

          اما بالنسبة للجانب الامريكي فقد اعلنت ادارته الجديدة تمسكها بحل الدولتين من غير ان تتبنى آلية علنية لتنفيذه . وقد يعني هذا الامر استمرار الوضع على جموده الحالي او فرض حلول لا توافق عليها جميع الاطراف .

              لكن هل يعني ذلك انه من المستبعد اللجوء الى حل يظهر انه يلبي متطلبات جميع الاطراف ؟ وان يحقق الدولة الواحدة للكيان الصهيوني . وحل الدولتين للجانب الفلسطيني والحل الكونفدرالي للجانبين الاردني والفلسطيني ، وبحيث يظهر وان كل طرف قد حقق انتصاره ؟

           ان من يعرف اساليب الادارة الامريكية الديمقراطية ورئيسها المحنك جو بايدن ، ومتابعة تسلسل الاحداث على الارض بإمكانه ان يرصد الاصابع الامريكية الخفية في خلق الظروف التي تمكنها من تحقيق اهدافها منذ البداية حتى الوصول الي الغاية التي تريدها . فهي أولاً استفادت من تصعيد الاحداث داخل وحول المسجد الاقصى ، ومن التصعيد العسكري ما بين الكيان الصهيوني وحكومة حماس في قطاع غزة والذي انتهي بإعلان وقف اطلاق النار من جانب واحد ، وما تبع ذلك من تمكين معارضي نتنياهو من تكوين ائتلاف هش وتشكيل حكومتهم وقطع الطريق على نتنياهو بأن يقوم بذلك .

             ولما كان اي حل يتطلب وحدة الموقف الفلسطيني المنقسم ما بين سلطة ضعيفة في الضفة الغربية تدعمها حركة فتح المنقسمة على نفسها ، وما بين حكومة غزة القوية والمدعومة من حركة حماس والجهاد الاسلامي وحركات اخرى اكثر وحدة وصلابة . ولما كان من المستحيل ان ينطوي القوي المتحد تحت جناح الضعيف المنقسم ، فما الذي يمنع الادارة الديمقراطية من اعادة تطبيق خططها في ايام الربيع للعربي بالاعتماد على الاسلام السياسي ؟ . وما الذي يمنعها من فتح قناة اتصال مع حركة حماس وخاصة بعد المكاسب التي حققتها هذه الحركة خلال الاشتباكات الاخيرة والشعبية التي اصبحت تتمتع بها في الضفة الغربية ؟ وما الذي يمنع من تمكينها من السيطرة العسكرية او عن طريق الانتخابات على الضفة الغربية مقابل ان تحصل على تنازلات منها بشأن علاقتها المستقبلية بالكيان الصهيوني ، ومقابل تنازلات لها من قبل هذا الكيان تكون على غرار التنازلات التي حصلت بين اركان الحكومة الصهيونية الحالية والحركة الاسلامية / الشق الجنوبي والتي دعمت هذا الائتلاف مقابل الحصول على المزيد من الدعم للمدن والقرى العربية في الداخل المحتل ، ومقابل حصول رئيس هذه الحركة منصور عباس على منصب نائب وزير في ديوان رئيس الوزراء ولاول مرة في عمر هذا الكيان . ومقابل ضمان الدعم الامريكي لحكومة الائتلاف الهشة والمعرضة للسقوط باي لحظة ، ويكفي لتحقيق لذلك رفع دعم نواب الحركة الاسلامية الاربعة ، عنها بل يكفي ان يقوم بذلك نائب واحد منها . وما الذي يمنعها من ذلك والحالة الافغانية ترتسم امام اعيننا ؟

     فهل من الممكن ان يؤدي ذلك الى الاعلان عن ولادة دولة فلسطينية بقيادة حماس وتشمل قطاع غزة ومعظم الضفة الغربية مع تنازلات لصالح هذه الدولة في القدس الشريف ، واشراكها بالاشراف على الاماكن المقدسة فيها ، على ان تكون منزوعة السلاح ، ومعترف بها دولياً ؟

       وفي حال تطبيق هذا السيناريو يكون قد تحقق حل الدولة الواحدة اليهودية . ويكون قد تم اعطائها مهلة لكي تهضم ما التهمته استعداداً لوجبة اخرى في المستقبل . ويكون قد تم منح الفلسطينيون شبة دولة . وعندها ما المانع من عمل كنفدرالية بينها وبين الاردن . ويكون هذا الاعلان في هذه الحالة متفقاً مع شروط الطرفين المسبقة لاقامتها ، اي بعد اعلان الدولة الفلسطينية ؟ .

          وهل الدعوات والاقتراحات لتعديل قانون الانتخابات الاردني على اساس ديمغرافي وحزبي ، الهدف منه تسهيل تحقيق هذه الوحدة الكونفدرالية من خلال وجود اغلبية نيابية حزبية وسياسية مقربة لحركة حماس ومرتبطة بها بحيث تتولى الحكومة المركزية في عمان ادارة الامور الخارجية والعسكرية لهذه الدولة الكنفدرالية ، وتبقى صلاحيات جلالة الملك على ما هي عليه مع تعديلات دستورية مناسبة ؟ وهل موضوع الفتنة في الاردن والذي تم الكشف عنها مؤخراً وبمعلومات مسربة من الادارة الامريكية ذاتها كما تناقلت ذلك وسائل الاعلام ، والتي تحدث عنها جلالة الملك في مقابلته مع محطة ال CNN . والتي هتف لها وناصرها عناصر المعارضة الاردنية في الخارج الذين تم تجميعهم في واشنطن بطريقة تعيد للاذهان الطريقة التي تم تجميعهم فيها عام ٢٠١٢ اثناء زيارة لجلالة الملك الى واشنطن ومن قبل نفس الادارة الديمقراطية ، هي رسالة ذات معنى لجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين فيما اذا كان له رأي آخر ورفض هذه الصيغة مع الاخذ بعين الاعتبار التصريح الذي نسب لسمو الامير ولذي لا اجزم بصحته بأنه لا يهتم بأمور القدس ؟ وهل سوف تكون تلك الدولة الكنفدرالية هي الدولة الفلسطينية مستقبلاً ، وبذلك يكون قد تحق حل الدولة البديلة او الخيار الاردني كما جرى الحديث عنه في ذلك المؤتمر الذي عقد بالقدس عام ٢٠١٧ وبحضور عناصر من المعارضة الاردنية في الخارج والذي تحدثت عنه في الحلقة الاولى من هذه المقالات ؟

      قد يبدوا ان هذا الحديث من قبيل الخيال وقد يتحقق وقد لا يتحقق . وقد يقال عنه انه اوهام رجل مجنون ، ولكن اليست الكثير من الامور في بلادنا كانت تبدوا كذلك ثم اصبحت حقيقية ؟

     كتبوا مستقبلنا بالكتب معتمدين اننا امة لا تقرأ ولم نقرأ . رسموا حدود دولنا معتمدين اننا امة لا تصدق ولم نصدق . اوقعوا بيننا الفتن والمنازعات معتمدين اننا امة شعارات فدمروا دولنا . استخدموا ديننا سلاحا بايديهم ليحاربوننا به ، فحولونا الى ارهابيين نقطع اعناق بعضنا البعض ونحن نقول الله اكبر ، استعمرونا ونهبوا ثروات بلادنا ونحن نتغنى بديمقراطيتهم . كنا امة واحدة فحولونا الى دول . كنا دولاً فحولونا الى اشلاء دول . كنا مواطنين في دولنا فجعلوا منا اعداء لبعضنا في دولنا .

                لننظر الى حواراتنا ومناقشاتنا ومواقفنا على السوشيال ميديا لنعرف كم اصبحنا مختلفين متنافرين وعدوانيين وهادرين لوقتنا ، ولنكتشف كم اصبحنا اعداء امتنا واعداء اوطاننا واعداء انفسنا ، واننا تغلبنا على قساوسة بيزنطة في عدمية نقاشاتهم . واننا لم نعد الا لعبة في ايديهم او احجار شطرنج يحركونها كما يريدون . فهل نتعظ وندرك ما يخطط لنا ، ام سنبقى سقط متاع لا نملك شيئاً من امرنا ؟ وهل ندرك انه لايمكن ان تكون هذه السيناريوهات المتزامنة هي من قبيل العبث والصدفة ، وهل نأخذ حذرنا كي لا نقع بشر اعمالهم ثم لن يبقى لنا الا الندم حيث لا ينفع الندم ؟ .

    انتهى موضوعي وانتهى حديثي في السياسة وامورها وخاصة الداخلية . وبقيت لدي بعض الامور الجانبية التي سوف اتحدث عنها قبل ان احيل نفسي على التقاعد من عالم السوشيال ميديا .

    مروان العمد

٢٠ / ٨ / ٢٠٢١