الكوتة الشركسية (الحلقة 2)

9 أغسطس 2021
الكوتة الشركسية (الحلقة 2)

زهدي جانبيك
في إحدى المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، يعمد أحدهم الى بدء حواره حول اي موضوع بالقول “انا خبير”… ثم يبدء بسرد اقتباسات من العم Google, دون أن يلتفت الى تاريخ الموضوع الذي يقوم باقتباسه،… وبلغ به الجهل عدم تمييزه بين المجلس التشريعي الأول بعهد الإمارة عام 1928 وبين المجلس النيابي الأول بعهد المملكة عام 1947… وبالتالي الجهل التام بما جرى من تطورات قانونية عام 1923 وما اقترحته اللجنة الشعبية في حينه بأن يكون هناك نائب لكل 8 آلاف مواطن أردني، لتأكيد مبدأ المساواة في نسبة التمثيل السياسي ….
هذا الجهل ممن يدعي الخبرة دفعني الى تذكيره بخطيئة النفي في الحوار، فما تجهله انت و لا تعرفه ليس بالضرورة ان لا يكون موجودا… فعدم وجودك بالصورة لا يعني عدم وجود الصورة، ولا يعني عدم وجود المصور الذي التقط الصورة… عدم وجودك بالصورة يعني فقط انك لست موجودا بها، وهذا لا يمس مصداقيتها بشيء… ببساطة انت لا تعلم بوجودها.

ولزيادة الفائدة حول الكوتا الشركسية لا بد أن أشير الى شرعة الأمم المتحدة والياتها، وحقوق الاقليات فيها.
وقبل ان نبحر في جولة بسيطة بين بعض صكوك الأمم المتحدة، لا بد ان أشير إلى أنه لم يرد فيما اكتبه انا ما يدل على أنني أشرت إلى الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان ورأيها بالكوتة الشركسية الأردنية لا من بعيد ولا من قريب… ولكن بما ان البعض استشهد بها (شرعة الأمم المتحدة) فلا بد من توضيح النقاط التالية:
اولاً: ليس هناك في القانون الدولي تعريف قانوني متفق عليه لكلمة “اقلية”.

ثانياً: لا يوجد في اعلانات ومواثيق ومعاهدات الأمم المتحدة ما ينص على “حق الاقليات في تمثيل أنفسهم في البرلمان” كما يدعي البعض.
ثالثاً: هناك خطأ شائع بأن “الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان تبنت موضوع الكوتا” ، والحقيقة ان الأمم المتحدة لم تتبنى ولم تشير إلى الكوتا، بل ان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 لا يشير إطلاقا إلى مصطلح “الاقلية” صراحة، وكان الصك الدولي الوحيد الذي يختص بشكل حصري بحقوق الاقليات هو نص إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية
أو إثنية وإلى أقليات دينية ولغوية الذي اعتمدته الجمعية العامة في قرارها 47/135 المؤرخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1992.
وعلى الرغم من جرأة مواد هذا الإعلان الا انه لم يجرؤ على وضع تعريف لكلمة “الاقلية” لخلاف الدول الأعضاء حول تعريفها.

رابعا: في الأمم المتحدة هناك نوعان من الصكوك الأول هو (الإعلانات) واشهرها “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”… وهذا النوع من الصكوك غير ملزم، ولا يخضع لانضمام الدول اليه ولا توقعه الدول ولا تصادق عليه. ومن هذا النوع إعلان الأمم المتحدة الخاص بالاقليات عام 1992 المشار اليه سابقا.

النوع الثاني من صكوك الأمم المتحدة هو: (المواثيق او “العهود” او الاتفاقيات) ، وهذا النوع بحاجة إلى موافقة الدول عليه وتوقيعها عليه ومصادقتها عليه،وأشهر هذه العهود :
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. الذي اعتُمِد وعُرِض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون اول/ديسمبر1966
وتاريخ بدء نفاذه: 23 آذار/مارس 1976، وفقا لأحكام المادة 49 منه.
وقد وقعت الأردن عليه عام 1972 وصادقت عليه عام 1975… وجاء في المادة 27 منه :
لا يجوز، في الدول التي توجد فيها أقليات اثنية أو دينية أو لغوية، أن يحرم الأشخاص المنتسبون إلى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائره أو استخدام لغتهم، بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم.

و للفائدة، فإن إعلان الأمم المتحدة لحقوق الاقليات يستند إلى هذه المادة في ديباجته.
ولكون الخبير العتيد بعيد كل البعد عن هذه المصطلحات، فان:
الإعلانات ومنها إعلان حقوق الإنسان غير ملزمة للدول،
بينما العهود والاتفاقيات ملزمة للدول الأعضاء بعد دخولها حيز التنفيذ.
وعلى الرغم من توقيع ومصادقة الأردن على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الا انه لا يمكن الاحتجاج به لدى المحاكم الوطنية لانه لم يدخل حيز التنفيذ في الأردن (لم يصدر بشكل قانون، ولم يتم نشره بالجريدة الرسمية، ولم ينعكس بالقوانين الوطنية). (على خلاف بين المذاهب والاراء القانونية بهذا الشأن).

خامسا: تتجنب صكوك الأمم المتحدة صيغة الالزام وتستخدم عادة صيغ “حيث كان ذلك ممكنا” او “حيثما كان ملائما للدولة” او وهذه الصيغة هي الأهم ” ولا يتعارض مع التشريع الوطني”
وقد تم استخدامها جميعا في إعلان الأمم المتحدة لحقوق الاقليات.

سادسا: عرَّفت إحدى الوثائق الدولية الأقلية بأنها: “جماعة تقل عددا عن بقية سكان الدولة، ويكون أعضاؤها من مواطنيها، ولهم خصائص أثنية، أو دينية، أو لغوية مختلفة عن تلك الخاصة ببقية السكان، كما أن لديهم الرغبة في المحافظة علي تقاليدهم الثقافية والدينية”.
ولم تتطرق إلى حقوقهم السياسية.

سابعا: لم يقل احد بافراغ البرلمان من الشركس او البدو او المسيحيين نتيجة إلغاء الكوتات، فلا داعي لأن يتباكى أحدهم على إفراغ البرلمان من هذه الفئات عند إلغاء الكوتات… وبدلا من ذلك لنقرأ بتمعن ما قيل عن استغلال التيارات العشائرية والسياسية لمقاعد الكوتات المسيحية، والشركسية والبدوية ، وننتبه إلى أن “إفراغ البرلمان منهم واكتساحه من قبل الاخوان المسلمين” مقولة غير صحيحة. ويمكن لابسط المراقبين ان يلاحظ انه أصبح من ابجديات عمل جماعة الإخوان في الانتخابات استغلال مقاعد الكوتا المسيحية والشركسية، فمقاعد الكوتا الشركسية الثلاث في المجلس الثامن عشر نجح مرشحوها في قوائم الاخوان، وربما لو لم يكن هناك كوتا لتمكن الشركس من اختيار من يمثلهم وباعداد اكبر من حصة الكوتا…. أما المسيحيين ، فكلنا رأينا صراع قائمة الاخوان المسلمين وقائمة الدولة المدنية في اختيار المقعد المسيحي في الدائرة الثالثة ، ونجاح المكون المسيحي في الدائرة الثالثة من انتزاع المقعد من الاخوان… ولو لم يكن لهم كوتا لتمكنوا من إيصال اكثر من مرشح مسيحي في الدائرة الثالثة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد رأينا جميعا كيف تم حرمان الكفاءات السياسية من الشركس والمسيحيين من الترشح لانتخابات المجلس التاسع عشر بسبب عدم قدرتهم على منافسة المرشحين المتحالفين مع قوائم الاخوان… وكيف قام مهندسوا الانتخابات من الضغط على المرشحين الشركس والمسيحيين للانسحاب من التحالف مع الاخوان في الدائرة الثالثة بعمان، وفي مادبا ، وفي البلقاء مع محاولات جادة في الزرقاء والكرك…. هذه الانسحابات بعد انتهاء المدة القانونية للترشح ، ادت الى فتح الطريق أمام مرشحين بعينهم للوصول إلى البرلمان من خلال عمليات الهندسة الإنتخابية.

اما البدو، فواضح من إحصائية عدد السكان أدناه ، انه بينما كان البدو يشكلون 45٪ من السكان لم تمنحهم الكوتا الا مقعدين فقط وبنسبة 15٪ من المقاعد فقط…. ولو لا الكوتة لاكتسح البدو اكثر من نصف المقاعد حينها (فَتَفَكَّرْ).

ومن المعلوم ان الانجليز وطيلة فترة الانتداب منعوا البدو من حق الانتخاب المباشر (بنص القانون)، وحتى عام 1951 كان يتم تعيين نواب البدو من قبل لجنة بدو الشمال ، ولجنة بدو الجنوب… فقط قانون عام 1951 سمح للبدو بالانتخاب المباشر من خلال دائرتين انتخابيتين في الشمال والجنوب… وتم اضافة دائرة بدو الوسط عام 1961 وخصصت لبني صخر.

إلغاء الكوتات، خطوة بالاتجاه الصحيح نحو تحقيق المساواة بنسبة التمثيل السياسي بين كافة المواطنين ، دون تدخل من القانون بفرض الكوتات أو الحصص ولا تدخل من المهندسين (يعني المخابرات).

ولالقاء بعض الضوء على تطور الكوتات نستعرض معا المعلومات و الأرقام التالية:

عام 1923 م كان عدد سكان شرقي الأردن »225»ألفاً.
كان عدد سكان الحضر منهم 122430 نسمة وكان عدد سكان البادية 102950 نسمة.
الحضر: بلغ سكان لواء عجلون 69330 نسمة، وبلغ عدد سكان لواء البلقاء 39600 نسمة، أما عدد سكان لواء الكرك فبلغ 13500 نسمة. منهم:
سكان قرية السلط بلغوا 20000 نسمة، تلتها قرية عمان 6400 نسمة،
ثمَّ قرية الرمثا 4500 نسمة،
ثمَّ قريتا كفرنجة وسوف 3200 نسمة لكل منهما،
ثمَّ قرية الكرك 3000 نسمة،
ثمَّ قريتا إربد والطفيلة 2500 نسمة لكل منهما، ثمَّ قرية مادبا 2400 نسمة.
____________
قانون الانتخاب لعام 1928 ، قرر ان يتكون المجلس التشريعي من 16 نائب منتخب منهم 2 بدو و3 مسيحيين و2 شركس… و6 نواب غير منتخبين (هم أعضاء الحكومة) ويكون رئيس الوزراء هو رئيس المجلس، وقد قسم هذا القانون الأردن إلى 4 دوائر :
دائرة البلقاء ولها 6 نواب 2 منهم شراكسة.
دائرة عجلون ولها 4 نواب.
دائرة الكرك ولها 3 نواب.
دائرة معان ولها نائب واحد.
بدو الشمال نائب واحد.
بدو الجنوب نائب واحد.
____________
بقي الأمر كذلك 6 أعضاء غير منتخبين، و 16 نائب منتخب منهم 2 شراكسة و3 مسيحيين و2 من البدو في مجالس الأعوام :
1929
1931
1934
1937
1942
____________
مجلس عام 47 أصبح 20 نائب.
عام 1950 ارتفع العدد إلى 40 نائب.
عام 1958 ارتفع العدد إلى 50 نائب.
عام 1961 أصبح العدد 60 نائب.
وبقيت الكوتات كما هي وبقيت الكوتة الشركسية طيلة هذه الفترة محصورة بمقعدين.
____________
عام 1989 أصبح العدد 80 نائبا
عام 2003 ارتفع إلى 110 نائب.
عام 2010 ارتفع العدد إلى 120 نائب.
عام 2012 ارتفع العدد ليصبح 150 نائب.
وعام 2016 انخفض العدد ليصبح 130 نائبا.
وخلال هذه الفترة زادت الكوتات جميعها ومنها الكوتة الشركسية الشيشانية لتصبح 3 مقاعد والكوتة المسيحية أصبحت 9 مقاعد والكوتة البدوية أصبحت 12 مقعدا مستفيدة 3 مقاعد اضافية من الكوتة النسائية.