بين الامن والشعور بالامن .. الوضع الأمني في الأردن

6 نوفمبر 2020
بين الامن والشعور بالامن .. الوضع الأمني في الأردن

بقلم العميد المتقاعد زهدي جانبك
هل يجوز اختلاق او تحريف الاخبار لاشاعة الشعور بالامن بين الناس… بدلا من العمل على تحقيق الأمن الفعلي؟
الأمن، نعمة ربانية وكما كل النعم الإلهية لا ندرك كمال قيمتها الا عند فقدانها.
قال تعالى: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» (النور:55).
وجاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة الثالثة أنه : لكل فرد حق في الحياة والحرية و الأمان على شخصه.
وجاء في سفر زكريا، الاصحاح 14:
“فيسكنون فيها ولا يكون بعد لعن فتعمر اورشليم بالأمن” 12.
وقد تناولت العلوم الحديثة مفهوم الأمن، واعتبرته إحد الحاجات الرئيسية للانسان، ووضعه العلماء من أمثال ابراهام ماسلو، و مانفريد ماكس-نيف وانطونيو إليزالدي ومارتن هوبنهاين، في الدرجة الثانية بعد الحاجات الفسيولوجية اللازمة للبقاء على الحياة، قال تعالى : “فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4).
والأمن يتحقق نتيجة السلوك الهادف إلى منع الجريمة وضبطها والقبض على مرتكبيها ومعاقبتهم. ولذلك يمكن قياس مقدار الأمن المتحقق رقميا من خلال الاحصائيات الجنائية الوطنية اولا ، ومن ثم الدولية.
ويختلف تحقيق الأمن الفعلي عن مفهوم الشعور بالأمان، الذي يتوفر نتيجة شعور الفرد بأنه يعيش في مجموعة تحمي حياته واحباءه واملاكه …، فهو شعور داخلي لدى الفرد يتحقق في مواجهة الشعور بالخوف (والعكس صحيح).
في مجتمعنا الأردني، كلما اهتز الشعور بالأمن نتيجة حدوث جريمة بشعه (جريمة الزرقاء، مثال) ، أو نتيجة تركيز الإعلام على نوع معين من الجرائم (فرض الاتاوات والخاوات مثال) ، تبدأ أجهزة الدولة باتخاذ إجراءات استثنائية (الحملات الامنية مثال) ، لاستعادة “الشعور بالأمن”… وغالبا ما تلجأ هذه الأجهزة إلى استخدام الاحصائيات الرقمية لإثبات ان “الأمن قد تحقق” لمساعدة المجتمع لاستعادة “الشعور بالامن”.
وتاتي هذه المقالة للتحذير من صناعة “شعور بالأمن” زائف من خلال استخدام إحصائيات غير صحيحة، أو اختلاق الاخبار الزائفة “لإشعار” المواطن بالأمن،… لأن القيام بذلك سيجعل الثقة مفقودة في حال ظهرت حقيقة هذه الاحصائيات والأخبار.
وقد لفتت انتباهي اليوم موجة من الأخبار المتداولة في الكثير من المواقع الإلكترونية منها: جفرا نيوز، والغد ، ونيروز، وعمون واحداث اليوم والوقائع الاخبارية ونيسان واردني واخبار الأردن… وغيرها، التي تتحدث جميعها عن تحسن تصنيف الأردن ووضعه ضمن الدول الخضراء مع الدول الأكثر امنا وسلما عالميا، وأنه (اي الأردن) تقدم 5 مراكز على مؤشر التصنيف العالمي للسلام The Global Peace Index والذي ينظمه معهد الاقتصاد والسلام The Institute For Economic & Peace.
نعم افتخر واعتز بزملائي في الأمن العام، واحترافيتهم في أداء واجباتهم، وشخصيا فإنني أشعر بالأمان والاطمئنان….. ولكن ما ذكرته هذه المواقع ليس صحيحا ، والأمن العام ليس بحاجة لنقل اي اخبار غير صحيحة لتزيبف شعورا مؤقتا بالأمن لا يلبث ان يتلاشى حالما يطلع المواطن على الاحصائيات الصحيحة ، والأخبار الصادقة.
وما كان يجدر بموقع قوات الدرك الأردنية ان يتبنى وينشر هذا الخبر دون تمحيص ، لأن الضرر من نشره اكبر بكثير من الفائدة الآنية التي يمكن أن تتحقق من نشره.
وباختصار اقول بأنه لم يتم وضع الأردن بالقائمة الخضراء على مؤشر الأمن، وما زال ضمن القائمة الصفراء.
وعلى الرغم من ارتفاع نسب الجريمة في الأردن خلال السنتين الماضيتين، وارتفاع عدد الجرائم المرتكبة في الأردن ، الا ان الأردن لا زال واحة الأمن في المنطقة بفضل الله اولا، ومن ثم همة العاملين في المنظومة الامنية الاردنية المدعومة بالحس الأمني العالي لدى المواطن الأردني.
وسيكون لي حديث حول مؤشرات السلم والأمان العالمية التي يعتمد عليها البعض لتعزيز الثقة بجهازنا الأمني.